لا يزال الجمود يسود الوضع الداخلي اللبناني لا سيما على صعيد «الشغور» الرئاسي القائم منذ 25 أيّار الفائت.. وقد بدأ الحديث عن تخطّي هذا الاستحقاق لعدم حصول التوافق الداخلي عليه، كما استحقاق الإنتخابات النيابية عن طريق التمديد مرة ثانية لمجلس النوّاب لسنة ونصف سنة إضافية، علّ المتغيّرات الخارجية تؤدّي الى انفراج على صعيد انتخاب الرئيس الجديد.
لكن هذا الوضع لن يبقى على حاله مع عدم رضى الفاتيكان عنه، على ما أكّد مصدر ديبلوماسي مطلع، لا سيما وأنّه يتعلّق بالمنصب الأول في الدولة والذي يعود للطائفة المسيحية. والفاتيكان لم يعد يقبل بتهميش حقوق المسيحيين ودورهم مع ما يحصل في لبنان والمنطقة من هدر لهذه الحقوق ومن محاولة تقليص دورهم الفاعل.
في المقابل، يصرّ الفاتيكان على ضرورة إجراء الإستحقاق الرئاسي، والتوافق على الرئيس المسيحي الجديد الذي يُناسب الأفرقاء المسيحيين كما المسلمين الشركاء في الوطن في أسرع وقت ممكن، إذ يخشى المصدر من أن تؤدّي المماطلة أو القفز فوق هذا الاستحقاق الى الانتخابات النيابية الى عدم انتخاب رئيس مسيحي مجدّداً، لا سيما مع بعض الطروحات الداعية الى تغيير الدستور أو تعديل المواد المتعلّقة برئيس البلاد وانتخابه، والتي إذا حصلت قد يستفيد منها البعض لاقتراح انتخاب رئيس غير مسيحي، أو أيّاً كانت طائفته شرط توافق الكتل النيابية عليه.
ويقوم الفاتيكان يضيف المصدر بالتحرّك لدى الدول الأوروبية لا سيما منها فرنسا، التي طالما اعتبرها لبنان «أمّاً» له، بهدف دفع التحرّك على مستوى مجلس الأمن من أجل الضغط لإجراء الاستحقاق الرئاسي والتوافق على الرئيس الجديد للبلاد يُنقذها من الفراغ ومن كلّ ما يُمكن أن يُصيب دول الجوار وتصل شظاياه الى الداخل اللبناني، فلا يكون هناك من رئيس يحلّ المشاكل الطارئة.
ويتوقّع المصدر من الدول الخمس الأعضاء في مجلس الأمن أن تجري الاتصالات بعيداً من الأضواء لمعرفة مدى استجابة الأفرقاء اللبنانيين لمبادرة دولية من هذا النوع، على أمل إطلاقها الشهر المقبل، في حال سرت الأمور كما يجب. ويأمل الفاتيكان أن يتوافق اللبنانيون فيما بينهم قريباً، وأن يقدّم البعض التنازلات على حساب مصلحة الوطن وليس مصالح الأفراد الشخصية دون سواها، وإلاّ فإنّ شيئاً لن يتغيّر من الآن وحتى الخريف المقبل، ما سيُبقي الفاتيكان قلقاً على المسيحيين في لبنان، كما هو قلق اليوم على المسيحيين في كلّ من سوريا والعراق وفلسطين.
أمّا لأولئك الذين يُراهنون على حصول متغيّرات خارجية مثل الإتفاق الأميركي- الإيراني، أو الأميركي- الروسي، كما التوافق السعودي- الإيراني، أو غير ذلك، ما من شأنه أن يوصل الى انتخاب الرئيس الجديد للبلاد، فينصحهم المصدر الاتكال على أنفسهم، مشيراً الى أنّ الدول الخارجية سبق وأن أعطت المسؤولين اللبنانيين فرصة التوافق فيما بينهم على رئيسهم الجديد من دون أي تدخّلات أو ضغوطات، لكنّ هؤلاء لم يُفلحوا، ما اقتضى العودة الى اقتراح مبادرات دولية.
وكرّر المصدر أنّ لبنان ليس أولوية بالنسبة للمجتمع الدولي في هذه المرحلة، مع قفز الأزمتين العراقية والسورية من جهة، والغارات على فلسطين من جهة ثانية فوق الاستحقاق الرئاسي اللبناني، علماً أنّه بإمكان الفاتيكان معالجة هذه الأزمات دفعة واحدة كونه يولي اهتماماً الى الوضع المسيحي في المنطقة ككلّ، وهو لا يرضى بأن يبدّي حلّ أزمة على أخرى، ما دامت جميعها تتصل ببعضها البعض، كما بمسيحيي الشرق.
ويشكّل المسيحيون الذين يتعرّضون اليوم للعنف والقتل وكلّ أنواع الإرهاب في لبنان ودول المنطقة، شغل الفاتيكان الشاغل يؤكد المصدر، ولا سيما البابا فرنسيس الذي يدعو الى وقف المعارك والحروب، والى إحلال السلام في المنطقة والتعايش بين الديانات السماوية الثلاث التي تعيش في دول الشرق الأوسط، خصوصاً وأنّ النزاعات لا تزال قائمة منذ سنوات طويلة وآن الأوان لوقفها ووضع حدّ نهائي لها.
من ناحية ثانية، يقول المصدر نفسه إنّ الإنفتاح بين الأطراف المسيحيين أنفسهم هو المطلوب حالياً، فضلاً عن الانفتاح على الشركاء في الوطن، ما من شأنه أن يؤدّي الى ما يسعى اليه الفاتيكان ألا وهو انتخاب رئيس مسيحي يمثّل أبناء الطائفة المسيحية، كما يتوافق مع الطوائف الأخرى من أجل إيجاد الحلول لمشاكل البلاد.
وفي حال بقي الشغور الرئاسي على حاله، رغم كلّ المحاولات، فإنّ الأمور سوف تسوء أكثر فأكثر، لا سيما وأنّ التمديد لم يحلّ يوماً أي مشكلة قائمة، بل يُساهم في تأجيلها وتطويرها وحتى الى إغلاق كلّ الأبواب التي يُمكن أن تفتحها المؤسسات الدستورية عندما تقوم بمهامها بانتظام.