هل انتهى مفعول «الخطة الأمنية» التي أقرّتها الحكومة فور تأليفها؟ أم أنّ الاستهداف المتجدِّد للأمن اللبناني يقع خارج إرادة الجميع ويعكس قرار جهات إقليمية الشروع في استخدام لبنان مجدّداً ساحةً للضغط وتوجيه الرسائل السياسية بالأمن والمتفجّرات؟
هذا السؤال كان محور النقاشات والتحليلات التي شغلت أوساطاً سياسية وأمنية في بيروت. والربط بين «غزوة داعش» العراق واستفاقة بعض الخلايا النائمة في لبنان ووفادة «السيّاح الجهاديين» مع بداية فصل الصيف أمرٌ بالغ السهولة. ليس من المستغرب اليوم انقلاب بعض القوى الإقليمية على قرار تأليف الحكومة وبيانها الوزاري، والدفع بلبنان نحو موجة «مجانية» من الإرهاب. ثمّة من بدأ يتحدّث في الإقليم عن «الفدرَلة»، وعن تقاسم السلطة والثروة في إطار كيانات مذهبية.
حتى في لبنان، بدأت أصوات تُهدّد وتتوعَّد الدولة والجيش بتحويل الشمال «موصل» جديدة، وهذا يعني في الاستنتاج والقياس، أنّ مَن يقف وراء هؤلاء بدأ يُفكّر بقلب الطاولة في الإقليم كلّه، احتجاجاً على فشلِه في سوريا والعراق وإرغامه على الشراكة المتوازنة والمنضبطة في لبنان.
يئسَت السعودية ومعها دول عربية من إمكان توجيه ضربة عسكرية لسوريا، وجاءت نتائج الانتخابات العراقية والسورية لتعيد تشكيل «محور المقاومة» أو ما يُسمّونه «الهلال الشيعي» من طهران إلى لبنان. هنا وقعَت لحظة التقاطع السعودية – الإسرائيلية في الخوف من تعاظم الدور الإيراني برضى وتسليم أميركي، وكان لا بدّ من خلق وقائع جديدة أمام الايرانيين والأميركيين انطلاقاً من العراق.
في الموازاة، وردت معلومات أمنيّة عالية الدقّة عن التحضير لعمل إرهابي كبير في لبنان. يومها تكتَّمت المراجع الأمنية واتّخذت إجراءات «موضعية» في الأمكنة التي أوردَت التقارير أنّها ستتعرّض للإعتداء، وفي المعطيات التي وردت أنّ الإرهابيّين سيستهدفون منشآت مدنية ومشجّعي كرة القدم في أحد المطاعم أو المقاهي، ما دفعَ البعض إلى الربط بين انتحاري الشيّاح ومقهى «أبو عساف». أمّا اعترافات الفرنسي من أصول جزُر قمرية والذي قُبِض عليه، فتَشي بحسب المعلومات، بعمل بدائي. فـ«الداعشي» الفرنسي جُنِّد وحُضِّر عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وهذا المعطى يفيد بالآتي:
أوّلاً، نجاح الخطة الأمنية في الحدّ من تسرّب الانتحاريين عبر الحدود بنسبة كبيرة، الأمر الذي دفع بمشغّلي هؤلاء إلى الإفادة من «موسم الاصطياف» والدفع بهم إلى لبنان عبر مطار بيروت بصفة سيّاح.
ثانياً، السيارة التي استُعملت في تفجير الشياح بدائيةً ولا تسير لمسافات طويلة، ما يعني أنّ تحضيرَها وشراءَها وتفخيخها «محلّي» الصنع، الأمر الذي من شأنه تسهيل مهمّة مكافحة هذا النوع من السيارات.
ثالثاً، أمر العمليات وردَ إلى الإرهابيين على عجَل وبنحو غير منَسّق تماماً بفعل الإجراءات الأمنية المشدّدة وتعاون الأجهزة، وهذا ما يدلّ عليه إرباك الانتحاريَّين (في ضهر البيدر والشيّاح) وخوفهما ومسارعتهما إلى تفجير نفسيهما مباشرةً أمام أوّل إمكانية انكشاف.
لا شيء يمنع أن تنجح عمليات إرهابية في ترويع المدنيّين الآمنين في أيّ بلد، ولبنان ليس استثناءً في هذا السياق. المسألة ليست في قرار الإرهاب أن يضرب لبنان، بل في طريقة تصرّف اللبنانيّين حيال هذا القرار.
البعض سارعَ إلى «التبرير» بالعودة إلى نغمة «خروج حزب الله من سوريا». من هنا يُطرح السؤال الآتي: هل ستواكَب الموجة الإرهابية بعملية إسناد سياسي من أطراف لبنانيين؟ وهل الهدف خلق وقائع متصلة بشغور موقع الرئاسة عند هؤلاء؟ أم أنّ منطق «الفدرَلة» بدأ يأخذ حيِّزاً في بعض العقول؟
الأيّام المقبلة ستكشف حقيقة المواقف والخيارات، هل يكون لبنان استثناءً في منطقة تتشظّى وتنقسم؟ أم يمكنه مواجهة هذا الكأس وتقديم النموذج المضاد؟