كتب المحرر السياسي:

لبنان بلا رئيس للجمهورية، لليوم الرابع على التوالي…

ربما تكون جمهوريتنا هي الوحيدة التي لا رئيس لها، على وجه الأرض، في هذه الأيام. والأرجح أن “معضلة الفراغ” فريدة من نوعها، ولا مثيل لها في أي مكان آخر. ابتسم، أنت في لبنان!

يميل البعض الى التخفيف من وطأة “الفضيحة” و”العجز”، فيتكلم عن “الشغور” في موقع الرئاسة، بدلاً من “الفراغ”. لكن هذا التشاطر اللغوي لن يكون كافياً لتمويه الواقع البشع، وهو أن هناك في الأساس الكثير من مساحات “الفراغ” في الطبقة السياسية والنظام والدستور، وما وصوله الى قصر بعبدا سوى نتيجة طبيعية لهذا المسار الطويل من الخلل الفادح والمتراكم.

وها هو “الفراغ” يتمدد بسرعة من قصر بعبدا الى مجلس النواب، كوباءٍ معدٍ، تنتقل عدواه من مؤسسة الى أخرى، وسط نقص حاد في المناعة السياسية والدستورية.

ذرائع كثيرة يجري سوقها في كل مرة لتبرير مقاطعة التشريع، تارة بحجة الشغور الرئاسي كما هي الحال الآن، وطوراً بحجّة الضمور الحكومي كما كان الوضع عند استقالة الرئيس نجيب ميقاتي، حتى كادت المقاطعة تصبح “فضيلة سياسية”، تحت شعار حماية الميثاقية والتوازن الوطني.

ليس معروفاً بالضبط أين الحكمة في تعميم “الفراغ”، وكيف يمكن أن يُعالج خطأ بمثله، لا سيما أن مجلس النواب متوازن في تركيبته القائمة على أساس المناصفة، والتمثيل المقبول لجميع القوى السياسية.

والسؤال يغدو أكبر، عندما يتصل الأمر بتعطيل أمر حيوي، كما حصل أمس، مع “سلسلة الرتب والرواتب” التي دفعت ثمن الإخفاق في انتخاب رئيس للجمهورية ضمن المهلة الدستورية، فتحولت الى القربان الاول على مذبح مقاطعة نواب “14 آذار” و”التيار الوطني الحر” للمجلس… احتجاجاً على فشل النواب أنفسهم في انتخاب الرئيس!

والمفارقة أن نواب الفريقين الذين انقسموا في شأن الاستحقاق الرئاسي وتبادلوا الاتهامات بتعطيله، التقوا على مقاطعة جلسة “السلسلة”، رفضا للتشريع في ظل غياب رئيس الجمهورية، علماً أن تعذّر الانتخاب، لغاية اليوم، ناتج بشكل أساسي عن عدم اكتمال التفاهم حتى الآن بين طرفي المقاطعة الأساسيين، “تيار المستقبل” و”التيار الحر”.

وإذا كانت الطرق المؤدية الى سلسلة الرتب والرواتب قد قُطعت حتى إشعار آخر، فإن شرايين الحوار بين “المستقبل” و”التيار البرتقالي” ستظل مفتوحة لوقت إضافي، برغم أن المهلة الأولية التي وُضعت له انتهت في 25 أيار.

لا يرغب الرئيس سعد الحريري في إعادة “استعداء” العماد ميشال عون بعدما نجح في “تحييده” وتعطيل “صواعقه” المتفجّرة، وهو يحاول قدر الإمكان تمديد فترة “شهر العسل”، إنما من دون التورط في الوقت ذاته بارتباطات تتجاوز قدرته وصلاحياته، من نوع تزكية انتخاب “الجنرال” رئيساً للجمهورية.

أما عون، فلم يقطع الأمل في إمكانية تطوير التقاطع مع الحريري الى تفاهم أوسع، يحمله الى قصر بعبدا. ولذلك، فضّل إعطاء فرصة الاتفاق مهلة إضافية تمتد حتى 20 آب، الموعد المفترض لدعوة الهيئات الناخبة الى الانتخابات النيابية المقبلة، مع انتهاء ولاية المجلس الممدّد له.

أعطى عون خلال مؤتمره الصحافي الأخير إشارة الى معالم الخطة “A+”، إذا أخفقت الخطة “A” التي ترتكز على التفاهم مع الحريري على انتخابه رئيساً توافقياً.

السيناريو البديل لدى عون ينطوي على إعادة ترتيب الأولويات، بحيث تسبق الانتخابات النيابية تلك الرئاسية، وكأن لسان حال “الجنرال” يقول للحريري: إذا كان من الصعب عليك أن تدعمني للرئاسة، لهذا السبب أو ذاك، فأنا سأحررك من هذا العبء. ما أريده منك فقط أن تثبت حسن النية حيالي بأن تسهّل إقرار قانون انتخابي عادل، واترك الباقي عليّ. من جهتي، فعلت كل ما هو مطلوب مني لإنجاح مرحلة بناء الثقة بيننا، وقد جاء دورك.

بالنسبة الى عون، يملك المجلس النيابي حق التشريع في حال انعقد لإقرار قانون الانتخاب الذي يشكّل مصلحة عليا للدولة. بعد ذلك، سيكون عليه الفوز بأكثرية شعبية مسيحية تمنحه شرعية تقديم نفسه باعتباره المرشح الأقوى والأجدر، استناداً الى توازنات جديدة يُفترض أن تفرزها صناديق الاقتراع.

وهناك في أوساط مؤيدي عون من يقول إن الجنرال مستعد في أسوأ الاحتمالات لخوض الانتخابات النيابية وفق قانون الستين إن اقتضى الأمر، في حال تعذر الاتفاق على قانون جديد. المهم تجنب الوقوع في محظور التمديد مجدداً للمجلس الحالي، وإنتاج مجلس قادر على انتخاب رئيس للجمهورية.

ولئن كان “الجنرال” يضغط حتى الحد الأقصى في اتجاه تأمين توافق من مكونات المجلس الحالي على انتخابه رئيساً، إلا أن هناك من يعتقد أنه لن يتأخر في نقل المعركة الى ساحة قانون الانتخاب، متى تأكد من عجز المجلس عن إنجاز الاستحقاق الرئاسي.

بري… و”المقاطعجية”

وفي مواجهة مخاطر تسرب الفراغ الى مجلس النواب، قال الرئيس نبيه بري أمام زواره إنه سيستمر في الدعوة الى عقد جلسة تشريعية لاستكمال مناقشة سلسلة الرتب والرواتب “حتى لا أسجّل سابقة خطيرة من نوع تعطيل عمل السلطة التشريعية، ربطاً بأي شغور يحصل في سلطة أخرى”. وأضاف: ما يجري الآن من مقاطعة للمجلس بعد الشغور في موقع رئاسة الجمهورية هو تكرار لما حصل بعد استقالة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، وها هي القوى السياسية المسيحية تعتبر أن من حقها مقاطعة الجلسات التشريعية للمجلس النيابي لأن سواها فعل ذلك من قبل، أما من جهتي فسأظل أدعو الى جلسة تلو الأخرى، وعلى كل طرف أن يتحمل مسؤوليته، لأن التشريع يجب أن يظل قائماً، والشغور الرئاسي ينبغي أن يكون حافزاً لمزيد من الإنتاجية البرلمانية، في إطار الحد من تداعياته.

ونبّه بري الى أن مقاطعة المجلس قد تؤدي الى نتائج وخيمة، لأنها تعطّل سلطة الرقابة النيابية، ما يجعل الحكومة في موضع تصريف الأعمال.

وتابع: كأنه لا يكفي خرق القوانين، حتى يُخرق الدستور أيضا، ونغدو أمام مُقَاطِع من هنا ومُقَاطِع من هناك… بصراحة، لقد أصبحنا امام نظام “المقاطعجية”.

الحكومة… والفراغ

…وليس مجلس النواب فقط من يتلقى الهزّات الارتدادية للفراغ الرئاسي، بل إن الحكومة أيضاً تواجه تحدي التعامل مع مرحلة ما بعد 25 أيار، لاسيما لجهة حسم نقطتين تتعلقان بآلية انعقاد الجلسات، وهما: هل يضع رئيس الحكومة جدول الأعمال لوحده أم بالتشاور مع الوزراء، وهل تحتاج المراسيم الى التوقيع الإلزامي لكل الوزراء أم الى النصف + واحداً أو الى الثلثين.

تجدر الإشارة الى أن الرئيس تمام سلام دعا الى عقد جلسة لمجلس الوزراء في السرايا الحكومية في الرابعة بعد ظهر الجمعة المقبل، وعلى جدول الأعمال 25 بنداً ادارياً عادياً، تم توزيعه على الوزراء أمس.

وقال وزير الاتصالات بطرس حرب لـ”السفير”: إن الإشكالية هي في توقيع المراسيم الصادرة وسط شغور في موقع رئاسة الجمهورية، فهل يحق لوزير واحد مثلا عدم التوقيع وبالتالي تعطيل عمل مجلس الوزراء؟

وقال وزير العمل سجعان قزي لـ”السفير” إنه لا يجب تعطيل عمل مجلس الوزراء.

كما أكّد وزير السياحة ميشال فرعون لـ”السفير” أن الوزراء المسيحيين في “فريق 14 اذار” لن يقاطعوا جلسات مجلس الوزراء برغم شغور منصب الرئاسة الاولى، “وسنتابع تسيير شؤون الدولة ومصالح الناس”.

وأبلغ وزير الثقافة ممثل تيار “المردة” روني عريجي “السفير” أن “الشغور في موقع الرئاسة أمر كبير جداً، لكن في المقابل مصالح الدولة والناس لا بد من تسييرها، لذلك سنشارك في الجلسات التي تؤدي الى تسيير المرافق العامة للدولة وللناس”.