ليس هناك اكثر حرصا على سلامة الجنود والضباط، من قيادة المؤسسة العسكرية بجميع اركانها، الذين تدرجوا من تلميذ ضابط حتى وصولهم الى رتبهم العالية الحالية، وهم الادرى بما يمر به الجندي والضابط من اخطار من جهة وتضحية وعطاء واستشهاد من جهة ثانية، ومهما كانت القيادات السياسية حريصة ومسؤولة ومعنية، الا انها لا تصل الى مستوى القيادة العسكرية في تقدير ظروف المعركة، قبل حصولها واثنائها وبعدها، وهي تعرف من اخطأ ومن أصاب في التعامل مع الحدث الكبير، خصوصا اذا كان بحجم الحرب الصغيرة التي حصلت في عرسال، ولا شك ان القيادة العسكرية منكبة اليوم على تقصي حقيقة ما جرى في عرسال، لتبني على الشيىء مقتضاه، وخصوصا في ما يتعلق بسلامة العسكريين من الجيش وقوى الامن المختطفين من قبل التنظيمات الارهابية التي اعتدت، ليس على عرسال واهلها وحسب، بل على السيادة الوطنية والكرامة الانسانية، وحسن الضيافة التي قدمها لبنان ويقدمها لكل نازح سوري ولاجئ فلسطيني او عراقي، ولذلك فان البلبلة والاختلاف في الرأي، اللذين يسودان اجتماعات مجلس الوزراء، على ما ينقل متابعون اصحاب الثقة، حول كيفية التعامل مع جريمة خطف العسكريين، بسبب خلفيات سياسية طائفية ومذهبية، من شأنها ان تعقد عملية البحث عن مخرج ينقذ المخطوفين من جهة، ويحفظ كرامة المؤسسة العسكرية من جهة ثانية، ويجب ان تتحمل مسؤوليته قيادة الجيش، وفقا للمعطيات التي بين يديها وليس الحكومة المنقسمة على ذاتها، ولو ان النواب الذين عطلوا انتخاب رئيس للجمهورية، التزموا بما يقوله الدستور لكان عندنا اليوم رئيس، هو القائد الاعلى للقوات المسلحة، وهو القادر بالتعاون مع القيادات العسكرية والامنية، على اخذ القرار المناسب الذي يفترض ان يتخذ في مثل هذه الحالات الدقيقة، اذ لا مكان الان للطروحات والتصريحات المتخاذلة، ولا للتصريحات العنترية، بل للطرح الذي ينقذ ابناءنا ولا يصيب المؤسسة العسكرية بشيء.
الجيش منذ احداث الضنية، يدفع ضريبة محاربة الارهاب والارهابيين، من دم ضباطه وجنوده.
والجيش في مواجهة الاعتداءات والاجتياحات الاسرائيلية الوحشية والمتكررة، دفع ايضا ضريبة الدم الغالية ثمن صموده في الدفاع عن الشعب والارض والسيادة، والخطيئة الكبرى ان الجيش لم يلق سوى فتات الاهتمام بتحديث عتاده وآلياته واسلحته وذخيرته، طول اكثر من 24 سنة، في بلد اهدر مسؤولوه مليارات الدولارات على صفقات واعمال غير منتجة، ولولا الخطة الخمسية لتحديث الجيش التي وضعت في عهده الرئيس العماد ميشال سليمان وتوجهات العاهل السعودي بهبة قيمتها ثلاثة مليارات دولار، لكان وضع الجيش من ناحية السلاح والذخيرة في اسوأ حالاته ولا يتم تعويضه الا بالمعنويات العالية التي يقاتل بها الجندي اللبناني.
ان الجيش يقاتل باسلحة تعود الى عقد الثمانينات من القرن الماضي، ويتخوف العديد من الضباط المتقاعدين الذين رافقوا مسيرة الجيش لعقود طويلة، ان لا تحقق عملية حصر شراء السلاح من فرنسا، المرجو منها لتحديث الجيش، لان فرنسا «تتشاطر» لاعطاء لبنان سلاحا قديما وغير متطور، ربما بسبب تحقيق ارباح على «ظهر» لبنان. كما يقول هؤلاء او بسبب الضغوطات الاسرائيلية، وبالتالي على القيادتين السياسية والعسكرية ان تتنبها الى هذا الامر، وتصارحا المسؤولين الفرنسيين الاصدقاء التاريخيين للبنان، ان الجيش اللبناني بمحاربته الارهاب، يرد الاذى، ليس عن لبنان فحسب، بل على كل بلد في العالم مهدد بالارهاب. ومن ضمنها فرنسا، وبالتالي لا مجال للتلاعب والرضوخ للضغوط، لان التحديات الكبيرة والخطرة التي يواجهها لبنان، بوجود جيش من دون سلاح قادر وفاعل، تعني ان لبنان الرسالة والعيش المشترك، وملتقى الحضارات سيسقط، وان الشعب اللبناني المصمم على المقاومة والاستشهاد في سبيل البقاء يكون قد خسر رهانه على الاصدقاء وعلى عالم يسمي نفسه العالم الحر.