Site icon IMLebanon

القيادة العسكريّة توقعت الأسوأ في معركة عرسال

كان مقرراً يوم الإثنين الماضي ان تلتقي مجموعة من الإعلاميين مع كبار الضباط في مديرية المخابرات في وزراة الدفاع في إطار الجلسات التي تعقد كلما دعت الحاجة مع الصحافيين لوضعهم في صورة التطورات الأمنية وما يجري على الساحة الداخلية وحيث يتم وضع الإعلاميين في الصورة الواقعية والحقيقية لبعض الأحداث وكيفية تعاطي القيادة العسكرية مع بعض المسائل والملفات الأمنية، لكن اللقاء تأجل وسبقته تطورات الوضع الميداني واندلاع المعركة في عرسال بين الجيش والمسلحين الإرهابيين والتي تستمر على ضراوتها وخطورتها الظاهرة للجميع، مما جعل البرنامج يتعدل ويلغى بعد الاستنفار الذي عم المؤسسة العسكرية فاستعيض بها بمؤتمر سريع لقائد الجيش شرح فيه للرأي العام ما حصل مع العناصر العسكرية وما تعرضت له ثكنات الجيش في المنطقة العرسالية. فالواضح تقول مصادر متابعة لمجريات المعركة في عرسال ان قيادة الجيش شأنها شأن كل المتابعين كانت في انتظار وقوع المواجهة او المعركة الكبيرة، وكانت القيادة العسكرية على يقين ان ما ينتظرها من مهمات ومسؤوليات وتحديات لن يكون بالقليل، فإذا كان المتابعون على ثقة بأن معركة عرسال كانت ستقع في اي لحظة فان الممسكين بالملف الأمني كانوا يتوقعون الأسوأ وينتظرون لحظة الصفر التي استغلها المسلحون التكفيريون بتوقيف عماد جمعه لتنفيذ مخططهم الجهنمي على المدينة اللبنانية التي تعج بالنازحين السوريين وعلى ثكنات الجيش والمواقع العسكرية التي لم يسبق لها ان شهدت مواجهات مع الإرهابيين بعدما كان هؤلاء يعدون العدة ويتحينون الفرصة للانقضاض على الجيش والسيطرة على عرسال وإعلان إمارتهم الإسلامية.

إذاً كان كل شيء وفق تقدير المصادر يوحي بحتمية واقتراب المعركة، ولكن القيادة العسكرية كما في كل مرة كانت تنتظر القرار السياسي وهو عادة لا يأتي إلا مؤخراً بعد ان تدفع المؤسسة العسكرية ثمن المؤامرة وخلافات السياسيين حول الملفات الداخلية وصراعاتهم دماً من ضباطها وجنودها، فالسيناريو نفسه حصل في عبرا عندما ترك الشيخ الأسير يوسع انتشاره ويسرح ويمرح على مرأى من العسكريين وحاجز الجيش دون ان يسمح للقوى العسكرية بالتدخل إلا بعد ان تحداها الاسير واتخذ المبادرة بالهجوم فحصل ما حصل وسقط من شهداء المؤسسة من سقط قبل ان يتفق الجميع ويوافق تيار المستقبل على إنهاء الحالة الأسيرية.

اما في عرسال تضيف المصادر فكل المعطيات كانت تشير الى ان الإرهابيين باتوا جزءاً كبيراً من المجتمع العرسالي وانهم متغلغلون في مخيمات النازحين وعلى التلال المطلة على البلدة وفي الجرود والاكثر خطورة منهم يقصدونها للاجتماع بعناصرهم وتوجيههم، عدا ان البلدة تحولت الى مستشفى ميداني لجرحاهم وملاذاً مريحاً للمتعبين والمنهكين من حرب سوريا ومن السكن في الجبال الوعرة. ولعل اكثر المعطيات التي سرعت المواجهة وجعلتها واقعاً حقيقياً مسار معركة القلمون التي انهكت المسلحين وجعلتهم يفرون من المناطق الحدودية الى العمق العرسالي بعد الحسم الذي حققه حزب الله والجيش السوري في القلمون وتمكنهم من تحقيق هزائم كبيرة بالمسلحين في تلك المناطق.

فالقيادة العسكرية تقول المصادر كانت على يقين وبينة مما يحصل، وهي تدرك واقع الأرض وعلى تماس مع تحركات المسلحين وما يتم التحضير له، وعلى اعدادهم وتسلحيهم، بدون ان تمنح الغطاء السياسي للتدخل وضبط الوضع قبل تفاقمه، وإذ به يدفع الثمن بعدما ترك المسلحون يسرحون ويمرحون فيما كان المطلوب ان تبسط الدولة سيطرتها منذ اول احتكاك حصل معها وبعد ان تم التعرض لعسكرييها عندما قتل الرائد بيار البشعلاني والمؤهل زهرمان. ولكن اذا كانت المواجهة قد وقعت فمن الصعب معرفة الى اين ستصل معركة عرسال خصوصاً ان خطورتها تكمن في ان المسلحين متغلغلون في الداخل العرسالي ويتخذون من السكان دروعاً بشرية في مواجهتهم مع القوى العسكرية كما يختبئون ويتلطون في دور العبادة والمساجد، كما ان حزب الله لا يستطيع التدخل في معركة عرسال في الوقت الذي لا تزال بعض الأصوات تنشذ على تدخله في الحرب السورية، لكن هذا التدخل كما تؤكد اوساط سياسية سيصبح مشروعاً ومطلوباً في حال طالت المواجهة بين الجيش والمسلحين، إذا ضاقت الخيارات ولم تنجح المبادرات ولم يستطع الجيش وحده وضع حد لمعركة عرسال، ولكن هذا التدخل يبقى بحاجة الى قبول كل الأطراف وتجنيب لبنان الفتنة المذهبية من خلال ضبط الخطابات السياسية، وقد بدا واضحاً في الساعات الأخيرة ان زعيم المستقبل اظهر تغييراً وتبدلاً واضحاً في ضبط جماعته وتصريحات نوابه التي اخذت منحىً تصاعدياً في بداية المعركة. وفي كل الاحوال فان موقف المستقبل يشكل عاملاً ايجابياً لترييح الوضع الداخلي من التشنج الحاصل وإطلاق آلية جدية لانقاذ الوضع من المأزق والأزمة الراهنة.