ينتظر اللبنانيون المشتبكون سياسياً والواقفون على حافة الاشتباك الأمني والعسكري اتفاق الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الايرانية على أحرّ من الجمر باعتبار أن من شأنه تحقيق ثلاثة أهداف، أولها إزالة العقبات من أمام إنهاء الشغور في رئاسة جمهوريتهم. وثانيها الإفساح في المجال أمام حكومة “قوية” تضمّ فريقي 8 و14 آذار، وثالثها التمديد لمجلس النواب جراء تعذّر إجراء انتخابات تشريعية بسبب عدم الاستقرارين الأمني والسياسي. وهو تمديد يبدو الفريقان المشار إليهما أعلاه مقتنعين به رغم نفي البعض فيهما ورغم المناورات الاستعراضية مثل تقديم الترشيحات رسمياً.
وإذا تعذّر الاتفاق الثلاثي المذكور، فإن اللبنانيين أنفسهم ينتظرون من “أصحابه” تفاهماً محدوداً يُقنع الكبار من الأطراف السياسيين في البلاد بالتوافق على رئيس يدير الأزمة المحلية المحتدمة ذات الأبعاد والخلفيات المتنوعة باحتراف وتوازن بغية تجنيبها حرباً أهلية تُنهي الدولة وتضع الكيان في مهب الريح ومعه العيش المشترك. وهم ينطلقون في انتظارهم هذا من اقتناع قديم بوهم متأصّل هو جدية الاهتمام الخارجي بلبنان، واستعداد أصحابه لبذل الغالي والرخيص من أجله. ولم ينجح ترك الخارج هذا إياهم 15 سنة في حروب متنوعة من دون مساعدتهم لوقفها إلا بعدما فرضت مصالحه عليه ذلك في التخلّي عن الاقتناع المذكور. لا بل إن الوهم يبدو كبيراً هذه الأيام وذلك من خلال تأكيد المسؤولين عموماً، كما المرجعيات الدينية المتنوعة التي صارت محترفة سياسة، أن هناك مظلة دولية فوق لبنان أو تحته لا فرق تمنعه من الانزلاق نحو الفتنة والحروب. مع العلم أنهم لا يتصرفون بسبب الوهم المتضخّم هذا، أي لا يقومون بدورهم وبمسؤوليتهم اللذين يفرضان عليهم العمل لتسهيل التخلّص من كل عوامل الفتنة والتفجير. وعلى العكس من ذلك، فإنهم يوغلون في التشدّد والتطرّف والاختلاف بل العداء وفي تبادل فرض الشروط. وعندما “يفاجأون” بأن أصحاب “المظلة الدولية” لم يتحرّكوا، ولم يجنّبوا لبنان ما حصل ويحصل فيه، ولم يقدّموا إليه ما يمكّنه من الصمود، يتذمّرون و”ينقّون” ويشكون ويدفعون جماعاتهم الإعلامية إلى انتقاد هؤلاء لأنهم لم يفوا بوعودهم. وقد قرأنا كما اللبنانيون كلهم عن “تعثّر” “المجموعة الدولية لدعم لبنان” التي تأسّست قبل سنة بغية الحفاظ على الاستقرار السياسي والأمني فيه، وقرأنا أيضاً عن “الأسف” لتعثّرها في تسليح الجيش اللبناني، والأسف لعدم تسليم فرنسا سلاحاً “اشترته” السعودية له. يدل ذلك كله على لامسؤولية وطنية عند السياسيين والرسميين وكل متعاطي الشأن العام في لبنان. ويدل على أن ما يطلبه هؤلاء ليس مساعدة الخارج بل حلوله مكانهم في كل شيء. فهل هذا طلب معقول؟ في أي حال، وكي لا يبقى الكلام النقدي هذا تنظيراً، لا بد من الاشارة إلى أن أي “تقارب” بين إيران والسعودية لم يحصل حتى الآن خلافاً لما يعتقد اللبنانييون وإعلامهم. ما حصل خطوة أولى مبدئية جيدة، ولكن على مستوى الموظفين لاستئناف اتصال جدي انقطع طويلاً بينهما لأسباب معروفة. وهي ما كانت لتحصل لولا شعور المملكة أنها حققت نصراً مباشراً أو غير مباشر في العراق قبل أسابيع، ولولا تأكّدها عملياً من وقوف أميركا معها وبالملموس، ولولا شعور الجمهورية الإسلامية أن الانتصار كان ضربة موجعة ومؤذية جداً لها. لذلك لا بد من انتظار خطوات أخرى مثل تفاهم خليجي إيراني – أميركي وتفاهم نووي دولي – إيراني أو واحد منهما. والأدلة على هذا الكلام كثيرة. فالسعودية رفضت أو تحفّظت أخيراً، عبر ولي عهدها الأمير سلمان بن عبدالعزيز، على اقتراح رئيس فرنسا فرنسوا هولاند اشتراك إيران في مؤتمر لمواجهة الإرهاب يزمع الدعوة إليه. والرئيس الأميركي أوباما، الذي كان أبلغ إلى إيران مداورة أنه لن يفرض عقوبات عليها كان الكونغرس يعتزم إقرارها اقتناعاً منه بأنها تناور في مفاوضاتها النووية مع المجموعة الدولية 5+1، عاد وفرض عقوبات عليها. أما إيران فإنها ردّت على “ضربة العراق” بتصعيد كبير في اليمن عبر الحوثيين الذين بدأوا يجهرون بشيعيتهم، وذلك يقلق السعودية كثيراً. لذلك يقول متابعون دوليون إن لبنان عموماً وانتخاب رئيس جمهورية له خصوصاً ليس همّاً عند أميركا والدول الكبرى في العالم والشرق الأوسط. وعليهم إذا كانوا فعلاً صادقين في المحافظة على “صيغته” المبادرة إلى التفاهم على هذا الموضوع بأنفسهم.