جنبلاط مع الرئيس ـ التسوية: هربت من “زلزال باريس“!
“اللبننة” بلا نصاب.. “الدول” تنتخب
تستعد كل الأطراف الداخلية، سراً وعلانية، للتعامل مع مرحلة الشغور الحتمي في رئاسة الجمهورية بدءاً من منتصف ليل السبت – الأحد، بعدما أخفقت “اللبننة” حتى الآن في إنتاج الرئيس، في دليل إضافي على أنّ الطبقة السياسية اللبنانية لم تبلغ سن الرشد، ولا تزال في طور المراهقة، برغم مضي أكثر من 60 سنة على الاستقلال الوطني المفترض.
في الاساس، لم يكن أحد يتصرف على اساس أن المهلة الدستورية الممتدة من 25 آذار إلى 25 أيار هي حاسمة وإلزامية، بل تعاطى الجميع معها باعتبارها فترة مناورات واستهلاك وقت، في انتظار المباشرة في المفاوضات الحقيقية، خارج لبنان، تحت ضغط الفراغ والمهل الدستورية الآتية وأبرزها الانتخابات النيابية في الخريف المقبل.
والأكيد أنّ ما بعد الفراغ سيكون مغايراً لما قبله، إذ ستتغير قواعد اللعبة، وسيجلس اللاعبون المحليون في مقاعد الاحتياط، وستستعيد العواصم الإقليمية والدولية زمام المبادرة، وسيتبدّل ترتيب المرشحين، وستعوم أسماء كانت في القعر.
ولا يتردد مرجع لبناني بارز في القول في مجالسه الخاصة إن الطريقة التي أدير بها الملف الرئاسي لا تقود أصلا إلا الى الجدار المسدود. وتابع: للأسف، نكاد نفرّط بالفرصة التي سنحت لنا لانتخاب رئيس للجمهورية صناعة وطنية، وعليكم ان تنتظروا قليلاً بعد 25 أيار، لتكتشفوا أن الخارج بات الناخب الأول.
ولأن الأيام القليلة الفاصلة عن 25 أيار، لم تعد تكفي لإحداث تحولات جذرية في المعادلات العقيمة التي تتحكم بالاستحقاق الرئاسي، فإن جلسة الانتخاب غداً لن تفرز رئيساً، سواء اكتمل نصابها ام لم يكتمل، علماً أن الاتجاه الغالب لدى “قوى 8 آذار” هو نحو الاستمرار في المقاطعة، ما دام لم يطرأ أي معطى جديد يستوجب الحضور، لا سيما أن لقاءات باريس لم تحقق نقلة نوعية في اتجاه التوافق على العماد ميشال عون مرشحاً توافقياً، بعدما ربط الرئيس سعد الحريري جوابه النهائي بالموافقة السعودية ونيل بركة حلفائه “مسيحيي 14 آذار”، وفي طليعتهم رئيس حزب “القوات” سمير جعجع.
وقد جاء البيان الصادر عن “كتلة المستقبل” بعد اجتماعها، أمس، برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة العائد من باريس ليؤكد استمرار المراوحة العبثية في المربع الاول، إذ كررت الكتلة دعمها لمرشح “14 آذار” سمير جعجع، فيما كان رئيس “الكتائب” يعلن أن الحريري ناقش مع نجله النائب سامي الجميل في خيار تبني ترشيح عون، وقال أمين الجميل لـ”كلام رئيس” إنه يفضّل عون رئيسا على أي تعديل للدستور.
وفي “الوقت الضائع”، يعقد مجلس النواب، اليوم، جلسة عامة يناقش خلالها الرسالة التي وجهها الرئيس ميشال سليمان الى المجلس بواسطة الرئيس نبيه بري، ويطلب فيها “العمل بما يفرضه الدستور وما توجبه القوانين لاستكمال الاستحقاق الدستوري، تفادياً للمحاذير والمخاطر التي قد تنشأ جراء عدم انتخاب رئيس للجمهورية قبل الخامس والعشرين من شهر أيار الحالي”.
وبرغم أنه بات مؤكداً أن الجلسة لن تواجه مشكلة تأمين النصاب القانوني، إلا أن بعض الكتل تشارك من باب الاعتراض على مضمون الرسالة، كما هي حال “تكتل التغيير والاصلاح” الذي يشعر بأنه مستهدف منها، فيما تتجه “كتلة الوفاء للمقاومة” الى التغيب على الأرجح، على قاعدة ان سليمان “بات من الماضي”!
بري: أنا مستعد… ولكن
وقال الرئيس نبيه بري لـ”السفير” إن الرسالة التي وجهها رئيس الجمهورية الى مجلس النواب، ستتلى اليوم امام المجلس، ثم ستتم مناقشتها، ويُترك بعد ذلك للنواب أن يحددوا التوجهات المناسبة.
وأوضح أن رسالة سليمان التي لم يطلع عليها أحد بعد في انتظار تلاوتها، تركز على أهمية إجراء الانتخابات الرئاسية ضمن المهلة الدستورية وتشدد على ميثاقية هذا الاستحقاق، وتدعو النواب الى القيام بواجبهم في انتخاب رئيس جديد.
واعتبر بري أن مضمون الرسالة لا ينطوي على أي انتقاد علني او ضمني لمجلس النواب، وإنما هي تندرج في سياق الحق الذي منحته المادة 53 من الدستور لرئيس الجمهورية بمخاطبة المجلس عند الضرورة، ويبدو أن رئيس الجمهورية وجد في التأخير الحاصل في اجراء الانتخابات مبرراً كافيا لتوجيه الرسالة.
ورأى بري أن الفرصة أمام لبننة الاستحقاق الرئاسي مستمرة حتى 25 ايار، مشيراً الى أنه يطلب من السفراء الذين يلتقيهم عدم التدخل في تفاصيل هذا الاستحقاق، لكنه أبدى خشيته من أن يصبح التدخل الخارجي المباشر أمراً واقعاً تصعب مقاومته، بعد 25 ايار.
وبالنسبة الى الملف الرئاسي، لفت بري الانتباه الى عدم بروز أي جديد يُعتدّ به على هذا الصعيد، موضحاً أنه إذا لم يكتمل النصاب في جلسة الخميس، سيدعو الى جلسة أخرى قبل ظهر الجمعة ربطاً بأجواء يوم الخميس، وفي حال ظهرت معطيات إيجابية في ربع الساعة الأخير فأنا مستعد للدعوة الى جلسة قبل ساعة واحدة من انتهاء المهلة الدستورية منتصف ليل السبت – الأحد.
وأشار الى أنه كانت هناك إمكانية لتوجيه دعوة الى عقد جلسة انتخابية، قبل ظهر السبت المقبل، لو وُجدت ضرورة لذلك، “لكنني عدت وصرفت النظر عن الأمر حتى لا يحصل أي تأثير على حفل الاستقبال الوداعي الذي سيقيمه رئيس الجمهورية، لمناسبة انتهاء ولايته”.
وأكد ضرورة عقد الجلسة التشريعية المخصصة لسلسلة الرتب والرواتب، في 27 أيار، “وإذا لم يكتمل نصابها سأدعو الى جلسة أخرى، لانه لا يجوز تكريس سابقة تعطيل المجلس، عندما تستقيل الحكومة او يخلو موقع الرئاسة”، منبّها الى أن مثل هذا التعطيل يشكل تهديداً خطيراً للديموقراطية. وأضاف: في حال حدوث شغور في رئاسة الجمهورية، المطلوب تفعيل عمل المجلس النيابي، وليس تعميم الشغور على المؤسسات الأخرى.
جنبلاط: شغور حتى التسوية
وفي سياق متصل، أبلغ النائب وليد جنبلاط “السفير” أن زيارته الى العاصمة الفرنسية كانت محض شخصية. وأضاف مبتسماً: عندما وصلت، لاحظت أن باريس مكتظة بالقوم الوافدين من لبنان، فخشيت من زلزال يضرب العاصمة الفرنسية، وقررت أن أهرب، وأعود على عجل، عبر أول طائرة آتية الى بيروت.
وعما إذا كان الفراغ اصبح حتمياً، قال: لا يوجد فراغ، إنما شغور، والأرجح أنه حاصل الى أن يتم التوافق على مرشح تسوية، ونحن مرشحنا تحت هذا السقف هو النائب هنري حلو. وأضاف: لميشال عون وسمير جعجع الحق بالترشح لكن وضعنا لا يحتمل إلا الرئيس ـ التسوية لأن لبنان محكوم بالحوار والتوافق.
وقال النائب آلان عون لـ”السفير” إن ظروف التوافق على ترشيح العماد عون “لم تنضج بما فيه الكفاية محلياً واقليمياً، لكن هذا لا يمنع من استمرار الاتصالات مع تيار المستقبل، ونحن نرى أنه لا تزال هناك إمكانية لتبنّي ترشيح عون، لكن علينا الانتظار حتى تنضج الظروف”.
سلام يلتقي عبد الله
في هذه الأثناء، حضرت الانتخابات الرئاسية في زيارة الرئيس تمام سلام الى السعودية، حيث نبّه الى “أن الفراغ أو الشغور ستكون له تداعيات غير مريحة، ولكنه ليس آخر الدنيا، فحتى لو تأخّر الاستحقاق الرئاسي فلا بد أن يتم”.
والتقى سلام في مطار جدة الملك عبد الله الذي كان في طريقه إلى المغرب في إجازة خاصّة. كما عقد اجتماعاً مع ولي العهد السعودي الأمير سلمان بن عبد العزيز.
وقال سلام خلال مؤتمر صحافي في ختام زيارته: لقد سمعنا على لسان المسؤولين في المملكة كلاماً واضحاً بأن الاستحقاق الرئاسي شأن لبناني عليكم أنتم أن تسعوا فيه، مع التمنيات بأن يتمّ هذا الاستحقاق وينتخب رئيس للجمهورية، وأن يتمتع لبنان باستمرار التوافق (ص2).