يرتدي فتح النقاش حول الإستحقاق الإنتخابي النيابي المقبل، طابعاً جدلياً يشكّل مادة جديدة تغذّي الإنقسام الحاد بين الكتل النيابية، لا سيما لجهة التوقيت، في ظلّ تعثّر عملية انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وبالتالي، احتلال الملف النيابي الأولوية على الإستحقاق الرئاسي من ناحيتي المهلة الدستورية لولاية المجلس النيابي الحالي، والضغط السياسي لإجراء الإنتخابات النيابية على أساس قانون إنتخابي جديد بدلاً من قانون ألـ60 الذي ما زال نافذاً. وبرأي أوساط نيابية مطّلعة، فإن القوى السياسية باتت منقسمة اليوم أمام أكثر من خيار بالنسبة للإنتخابات النيابية، أحدها مرتبط برفض التمديد مرّة ثانية للمجلس، وآخر يتعلّق بالرغبة في إجراء هذه الإنتخابات، ولكن من دون اعتماد قانون ألـ60، إنطلاقاً من توجّه تكتل «التغيير والإصلاح» إلى طرح مشروع قانون انتخاب جديد كما ورد في مبادرة رئيسه العماد ميشال عون.
وفيما يسود انطباع لدى أكثر من جهة رسمية وسياسية بأن التمديد حتمي للمجلس النيابي، قالت الأوساط النيابية نفسها أن ما من تفاهم بين الأطراف السياسية في 8 و 14 آذار حول الإستحقاق الإنتخابي المقبل، ذلك أن الخلاف الذي يتحكّم بالإستحقاق الرئاسي ينسحب على قرار التمديد الذي يبدو شبه نهائي لدى بعض المرجعيات، وإن رفضت التلميح إلى ذلك في خطابها السياسي. وكشفت هذه الأوساط أن الإتفاق حول قانون انتخاب جديد وإجراء الإنتخابات النيابية على أساسه، ومن دون تسوية المأزق الرئاسي وملء الشغور في رئاسة الجمهورية، سيشكّل سابقة من الممكن أن تتكرّس مع الممارسة لتتحوّل إلى عرف خطير يودي بموقع رئاسة الجمهورية، والتي انتقلت صلاحياتها بالوكالة إلى مجلس الوزراء الذي يواصل إدارة المؤسّسات وتنظيم العمل العام وتسيير شؤون الدولة. وأضافت أنه مع انتخاب مجلس نيابي جديد، فإن عملية «خلط أوراق» واسعة ستحصل على الساحة الداخلية، وستؤدي إلى ظهور خارطة تحالفات سياسية جديدة مبنية على الحسابات الإنتخابية.
أما في حال تم اعتماد خيار التمديد للمجلس النيابي تقول الاوساط، فإن التمديد الثاني سيشكّل طعنة للديمقراطية، وسيلحق ضرراً بصورة لبنان على المستوى الدولي حيث ستظهر شكوك دولية لجهة قدرة لبنان على الوفاء بالتزاماته تجاه المجتمع الدولي، فيما هو عاجز عن إتمام إستحقاقاته الدستورية الداخلية. واعتبرت أن خيار إجراء الإنتخابات النيابية تجنّباً لخيار التمديد الثاني للمجلس، لن يكون سهلاً من حيث التطبيق، لأن المعادلة التي عطّلت الإستحقاق الرئاسي ستفرض نفسها على استحقاق الإنتخابات النيابية، وستنقسم قوى 8 و 14 آذار بين مؤيّد ومعترض لإجراء الإنتخابات في ظل الظروف الأمنية الدقيقة.
لكن ما يُطرح حول قانون إنتخاب جديد لن يشكّل بالطبع، وبحسب الاوساط، عنصراً مساعداً على حصول الإنتخابات النيابية، كون هذا الأمر سيعيد فتح الباب أمام النقاش السابق حول مضمون القانون الذي يؤمّن صحة التمثيل السياسي لكل الفئات والتيارات السياسية، خاصة وأن صورة هذا القانون قد تخدم فريقاً سياسياً على حساب فريق آخر، إنطلاقاً من الإعتراضات التي ستنشأ على اي صيغة تقسيم للدوائر الإنتخابية قد يطرحها أحد فريقي 8 و 14 آذار.
وفي كل الأحوال، فإن المأزق يبدو حتى الساعة من دون أي مخرج على صعيدي إجراء الإنتخابات النيابية أو وضع قانون جديد لها في ظل الشغور الرئاسي، إذ وجدت المصادر النيابية المطّلعة أن الأزمة الرئاسية ستنتقل بعد بضعة أسابيع إلى المجلس النيابي الذي قد يضطرّ مرّة أخرى إلى اتّخاذ قرار التمديد لنفسه، مع ما يحمله هذا الخيار من تحدّيات على صعيد تعميق الخلاف السياسي في البلاد بين أكثر من فريق وداخل الفريق الواحد أحياناً، وذلك مع إعلان العماد عون إصراره على بدء الإستعداد للإنتخابات النيابية، ورفضه بالمطلق تكرار تجربة التمديد للمجلس النيابي.