يعود الحديث عن المثالثة في الوقت الضائع لبنانياً، وربما يحمّل الكلام من قائليه رسائل غير مباشرة، ولو تحت شعار الرفض والاستنكار لما يروج له. لكن الواقع ان الطرفين الاقوى لبنانياً، السني والشيعي، لا يرغبان فعلا في المثالثة، ولا يجرؤان على طرحها حاليا، خصوصا انها محققة بالتطبيق، لكن ينقصها النص الذي لاحاجة اليه اذ قد يقيد التوسع الحاصل على حساب المسيحيين، والذي، ربما يكون تجاوز حدود الثلث لكل فريق. واذا محّصنا في الارقام التي لا تنشر عادة، نجد ان الحصة الشيعية تحديدا تجاوزت الخمسين في المئة في وزارات ودوائر ومؤسسات كثيرة، ما عدا الجيش الذي تبقى فيه حتى الساعة الاكثرية لابناء الطائفة السنية.
وبالعودة الى ملف الاتفاق الثلاثي العام 1985، ومحاضر الجلسات، نرى ان الصيغة النهائية التي انجزت للاتفاق، تأخر توقيعها شهرا، والسبب ان الطرف الشيعي، الممثل آنذاك بـ”حركة امل” في شخص رئيسها نبيه بري، طرح في اللحظة الاخيرة اعتماد المثالثة مدخلا الى توزيع وحلّ عادلين للتسوية. وعند هذا الحد، تعثرت عملية التفاوض نحو شهر، ما استدعى تدخلاً من الرئيس رفيق الحريري، ولم يكن رئيسا ولا معروفا آنذاك، لكنه توسط لدى نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام، للتدخل والطلب الى بري المضي في الاتفاق من دون اثارة هذه النقطة الخلافية. وهذا ما حصل، وسقط الاتفاق الثلاثي لاحقا.
لكن الفكرة التي لم تُطوَ نهائيا، بل تنتظر اللحظة المناسبة ربما، لها امتداداتها الاقليمية، واكثر في الجمهورية الاسلامية الايرانية التي تحولت الراعي الرسمي للمجموعة الشيعية اللبنانية. ففي 8 تشرين الثاني 2006، كتبت صحيفة “كيهان” الايرانية المقربة من آية الله السيد علي خامنئي ما يأتي:
“في ظل النظام الاستراتيجي الجديد الذي برز في الشرق الاوسط، صار واجبا ان يكون للشيعة في لبنان، وليس للشيعة اللبنانيين، اكبر حصة في المؤسسات الحكومية والرسمية. وعلينا ان نرى ونتابع كيف تتطور الامور. ان لبنان يواجه تغييرات لا تستطيع الحكومة الراهنة ان تعالجها. لهذا، من الضرورة تغيير المؤسسات فيها، واول ما يجب تغييره هو اتفاق الطائف”.
ويضيف المقال: “ان الشيعة يمثلون اليوم 40 في المئة من السكان اللبنانيين ويشغلون 40 في المئة من الارض اللبنانية، وهم المجموعة الاكثر وحدة وتوحدا فيه، وصارت قوتهم العسكرية الاقوى في تلك المنطقة من العالم العربي، لذلك يجب ان يكون لهم التمثيل الاكبر والاوسع في الحكومة وفي البرلمان وفي كل المؤسسات اللبنانية”.
إذاً فكرة المثالثة قديمة العهد، ولها جذورها وامتداداتها، وربما نامت على مضض، او لأسباب اخرى، والى ان تطفو من جديد، لا بد من استنفاد الفرصة القائمة حاليا والعودة الى كل المواقع بالعدد، وايضا بالكفاية.