في الدول التي تمارس فيها الديموقراطية الحقيقية، والتي تفسيرها الوحيد هو حكم الشعب، فانها وعند وقوع ازمات داخلية فيها، سواء كانت سياسية او دستورية او اقتصادية ـ اجتماعية الخ.. فان الاحتكام يكون الى الشعب، واليه يعود ممثلوه في مجلس النواب، وتلجأ الحكومة الى اجراء انتخابات نيابية لاعادة رسم خارطة سياسية للتحالفات، وفرز كتل نيابية.
وفي حال لبنان الذي يعيش ازمات من دون حلول، واستحقاقات دستورية يملأها التمديد كما حصل لمجلس النواب الذي هرب من الانتخابات النيابية التي استحقت في ايار من العام الماضي، او في الشغور الذي حصل مع عدم انتخاب رئيس الجمهورية الذي انتهت المهلة الدستورية في 25 ايار، فإن الاحتكام يجب ان يكون الى الشعب الذي هو مصدر السلطات، وهذا ما تعمل على تغييبه الطبقة السياسية الحاكمة ومن كل الاحزاب والتيارات السياسية في 8 و14 اذار، او الكتلة الوسطية، فكلهم تحمّلهم قوى المجتمع المدني من هيئات وجمعيات تعمل على تجديد الحياة السياسية مسؤولية ما وصلت اليه اوضاع المؤسسات الدستورية من ترد وانهيار، وغياب تداول السلطة، وعدم احترام الدستور ولا المهل الدستورية، لذلك يتم تحريك الرأي العام كما يقول ناشطون في هذه القوى، من اجل تشكيل قوة ضغط لتغيير المسار الذي عليه يتم رسم خارطة طريق لمستقبل لبنان بأخذه نحو الهاوية والاقتتال واسقاط الدولة بتفريغ سلطاتها ومؤسساتها من وجوده لها، عبر تعطيل عملها وشل ادائها وتعميق الانقسام الطائفي والمذهبي داخلها، وافراغها من محتواها القانوني في ممارسة الصلاحيات.
من هنا، فإن الفترة التي تفصلنا عن الانتخابات النيابية هي ستة اشهر، لانتهاء مهلة مجلس النواب الممدد لنفسه في 20 تشرين الثاني المقبل.
كما يقول ناشطون في المجتمع المدني، لا سيما الجمعيات التي تعنى بالانتخابات وقانونها وحصولها وصحة ممارسة المواطنين لها، ومطابقتها مع الديموقراطية، اذ يؤكد هؤلاء على ان الجمود في الانتخابات الرئاسية، وعدم تمكن اللبنانيين من تصنيع رئىس جمهوريتهم، وهم ينتظرون التطورات الخارجية، وكلمة سر تأتيهم من مراجع دولية واقليمية حول اسم رئىس جمهورية اذا حصلت تسوية عليه، فان الانتخابات النيابية هي التي تحرر اللبنانيين من هذا الانتظار المقلق والمزمن، والذي قد يرافقه اهتزاز الحكومة من داخلها، وربما تعطيلها او شلها او استقالتها، ومع ما قد يصيب مجلس النواب ايضاً من عدم حضور جلساته او عقد جلسات تشريع فيه، حتى انتخاب رئىس للجمهورية الذي غابت الميثاقية بشغور منصبه.
فالانتخابات النيابية باتت استحقاقا داهما، يؤكد الناشطون، ولا بدّ من ان يبدأ مجلس النواب مناقشة قانون انتخاب الذي ادى الخلاف حوله، الى التمديد للمجلس مع ذريعة الوضع الامني المتفجر في البلاد، ولأن الفترة قصيرة جدا حتى 20 آب المقبل، فان المسؤولية تقتضي ان يدعو رئيس المجلس نبيه بري الي جلسة لمناقشة قانون انتخاب، فاما يقر حاملا معه اصلاحات، للتعبير عن التمثيل الشعبي السليم، او يبقى العمل ساريا وفق القانون الحالي اي الذي عُمل به في الدورة السابقة 2009، على اساس قانون الستين معدلا.
وبدأت هيئات المجتمع المدني التحضير للتحرك في الشارع، واقامة نشاطات متعددة، للضغط على النواب، لعدم التمديد لانفسهم مرة ثانية، وفق ما بدأ يتسرب من معلومات، بأن الانتخابات الرئاسية يجب ان تتقدم على الانتخابات النيابية، وان ينتخب المجلس الحالي رئيس الجمهورية في حين تدعو قوى سياسية وحزبية الى ان تتأخر الانتخابات النيابية لتفرز مجلساً ينتخب الرئيس، وان كل طرف ينظر الى الموضوع من زاوية ما يحققه له من مصالح سياسية وفئوية، او خوفا من تعطيل دوره في الاستحقاق الرئاسي، وفق ما يكشف ناشطون في المجتمع المدني الذين يصرون على ان تحصل الاستحقاقات الدستورية في مواعيدها، وان لا تؤدي الخلافات السياسية الى تعطيلها، كما حصل في الانتخابات النيابية ثم الرئاسية، وتأخير تشكيل الحكومة، وكلها مؤشرات سلبية على ان لبنان باتت دولته فاشلة.