Site icon IMLebanon

المجهول المعلوم

كل يوم يمر على أزمة الإستحقاق يزداد اللبنانيون قناعة باستحالة الوصول الى تفاهم على إنهاء هذه الأزمة بين فريقين يسيران في إتجاهين مختلفين ولكلٍ منهما مشروع خاص يتناقض شكلاً ومضموناً مع مشروع الآخر، فهل ما زال ممكناً التوفيق بين هذين الفريقين وبين مشروعيهما غير القابلين للتلاقي ولا الإلتقاء؟

 ونقصد بالفريقين: فريق 14 آذار الذي يحمل من الأساس مشروع العبور الى الدولة، بمعنى أن الدولة وحدها مرجعية اللبنانيين بكل مكوّناتهم وإيديولوجياتهم ومعتقداتهم، وعلى جميع هذه المكوّنات الإنخراط في مشرع الدولة، والتعاون الإيجابي لدعمها وتقويتها وتذويب كل المشاريع الأخرى منعاً لحصول أي تناقض أو تمايز يؤثر مباشرة أو بصورة غير مباشرة على صورة وصيرورة الدولة القوية والعادلة، دولة القانون وتطبيقه على الجميع، لأن الجميع تحت سقف القانون، دولة الميثاق الوطني والدستور المنبثق عنه والذي يرعى حقوق الجميع ويحافظ عليها ويحميها تحت سقف القانون والدستور والأنظمة المرعية الإجراء، دولة ليس فيها سيّد ومسود، دولة يحميها جيشها وقواها الأمنية وحدهما بشكل قاطع ولا يوجد داخلها أو على جانبها دويلة تعمل لتحلّ محلّها، وتأخذ دورها، دولة واحدة لا يوجد داخلها دويلات، ولا محميات، ولا بؤر توتّر، ولا جماعات مسلّحة تعتمد على الأمن الذاتي بديلاً عن الأمن العام، أي على أمن الدولة وحدها، دولة ديمقراطية، تؤمن بالعدالة الإجتماعية، وتداول السلطة، والإعتراف بالآخر، لا دولة ذات الطابع الآحادي والنظام الشمولي القائم على النظريات التي خذلتها شعوب المنطقة والمبنية على الديكتاتورية وعلى حكم الفرد لا حكم المؤسسات، دولة تحمي شعبها بقواها الأمنية وجيشها لا الدولة التي تحميها قوى غير شرعية فرضت نفسها بحكم الظروف، دولة تحافظ على المعاهدات الدولية وتطبّق شرعيتها لا الدولة التي ترفض الاعتراف بالشرعية الدولية وتقدم على معاداة الجميع من منطلق أنها وحدها التي تحميها قواها الذاتية ولو كانت تعيش في عزلة كاملة عن الشرعية الدولية وعن المجتمع الدولي، دولة تطبّق القانون الدولي، وتحصّن نفسها ضد التدخلات الخارجية في شؤونها الداخلية باعتماد سياسة النأي بالنفس، وتحييد نفسها عن المحاور وعن صراعات دول المنطقة وخلافاتها، دولة تؤمن بالحرية الفردية والحرية الجماعية، وتجعلهما شبه مقدّسين لا دولة قمع كل رأي معارض.

ونقصد أيضاً فريق 8 آذار الذي لا يؤمن بكل هذه المسلّمات والذي يعتبر أن الدولة القائمة هي صورة مشوّهة يجب تغييرها لمصلحة الدويلة الناشئة على حسابها، ومن حساب الدولة الأم التي يحلمون بها، أو التي جعلت منهم قوة أكبر من قوة الدولة الأساسية وعنصراً هدفه الأول والأخير القضاء على مشروعية الدولة الأصلية من خلال ممارساتهم الشاذة بدءاً بتعطيل الإنتخابات الرئاسية مروراً بتعطيل الحكومة وانتهاءً بتعطيل السلطة التشريعية الممثلة بمجلس النواب ليبقى الفراغ سيّد الموقف من أجل أن تحلّ دولتهم مكان الدولة الشرعية تحت ستار ممارسة اللعبة الديمقراطية وملحقاتها بالشكل الذي يتوافق وينسجم مع مشروعهم الأساسي الذي يرمي الى إلغاء الآخرين وإلغاء أي مفهوم للممارسة الديمقراطية. وبناء على هذا الواقع هل ما زال اللبنانيون يحلمون بالخلاص أم أنهم تحوّلوا الى فريسة يغلب عليها هاجس الخوف من المجهول الذي دخلت فيه البلاد بعد الخامس والعشرين من أيار؟