بلغت المخاوف في لبنان في الاسابيع الاخيرة مستويات غير مسبوقة منذ زمن الحرب الداخلية. فمنذ معركة عرسال في الثاني من آب المنصرم شرعت الابواب واسعة امام دخول عناصر جديدة على الوضع باتت تنذر بنتائج وخيمة. اذ اضحى التنظيمان الارهابيان “داعش” و”جبهة النصرة” من يوميات السياسة اللبنانية خصوصا بعد خطفهما جنودا لبنانيين الى جرود عرسال وتحكمهما بهذه المنطقة بالاستناد الى الحادث الجديد الذي وقع في نهاية الاسبوع الماضي لتجاوز دورية عسكرية لبنانية مجال تحركها الميداني. والاخطر محاولة دخولهما كما في العراق وسوريا على خط الخلاف السني- الشيعي من خلال العزف على الجرح السني من خلال اثارة مسؤولية “حزب الله” في الحرب السورية الى جانب النظام والسعي الى تحرير القلمون من عرسال ما يربط الحرب هناك بالنزاع الشيعي السني من العراق الى لبنان. ويوازي ذلك خطورة في المقابل الحملات على الجيش اللبناني والمطالبة بالمحاسبة التي لا تخلو من اهداف سياسية في زمن صعب تفتح من جهة اخرى الباب واسعا على مخاوف من ان تستعاد تجارب في الجيش تذكر بمراحل خطرة في بداية الحرب او بمراحل لاحقة بحيث تنال من هيبته كمرجعية تحمي لبنان واللبنانيين في وقت يبدو لبنان احوج ما يكون الى المرجعية الامنية التي يشكلها خصوصا في غياب مرجعية رئاسة الجمهورية. كما يوازيه امران في غاية الخطورة احدهما يتمثل في تسليح القرى اللبنانية على الحدود مع سوريا وان كان لغايات الحماية المبررة في وجه مد محتمل عبر الحدود من سوريا او اعتداءات ما، فانه يخشى من تبعات له خطيرة في الوقت نفسه. والاخر يتمثل في المشاعر “العنصرية” التي بات يثيرها السوريون لدى اللبنانيين على وقع ما حصل في عرسال بحيث يخشى كثر على ما اعلن وزير الداخلية نهاد المشنوق ان يهدد خطف العسكريين او قتلهم بردود فعل عنيفة لا يمكن التحكم بها ازاء النازحين السوريين الموزعين في مختلف المناطق اللبنانية. وهذه العناصر جميعها باتت تؤشر في ظل مخاوف كثيرين الى انحلال الدولة ومؤسساتها تشهد عليه ظواهر وتطورات يومية على مختلف الصعد والمستويات في ظل ارباك حكومي لا يرقى في اي حال الى مستوى الازمات على رغم جهد رئيسها.
من جانب آخر تجددت التساؤلات على المستويات الشعبية وعلى نطاق واسع اذا كان ينبغي ان يبقى المسيحيون في لبنان ام يعدوا العدة للهجرة لئلا تسبقهم رياح الاحداث الزاحفة من العراق وسوريا ومن المنطقة ككل فيما لا تجد هذه التساؤلات اي اجوبة شافية بين مؤتمر للدفاع عن مسيحيي الشرق في واشنطن مقرر قبل تطورات طرد المسيحيين من الموصل ونينوى وخلوة للقاء سيدة الجبل في الاشرفية يسعى من خلالها الاعتدال المسيحي والسني والشيعي لتأكيد استمرارية نموذج لبنان العيش المشترك. وذلك في الوقت الذي يضرب عرض الحائط بمطالب المرجعيات الروحية المسيحية للاسراع الى انتخاب رئيس مسيحي للجمهورية فلا تطيحه التطورات الدرامية في المنطقة كما يهاجم وليد جنبلاط بمواقف مستنكرة لسعيه الى تسوية سياسية لملء الشغور في موقع رئاسة الجمهورية في ظل خط بياني متصاعد حول التراجع المسيحي في المنطقة ولبنان.
وفيما يعتقد سياسيون، ومن بينهم وزراء في الحكومة، انه لا يجب المبالغة بالمخاوف ولو ان المخاطر كبيرة وفعلية، يقول هؤلاء بان ثمة مظلة اقليمية دولية لا تزال تشكل شبكة امان نسبية للبنان قياسا على ما يجري في المنطقة على الاقل ولو ان لبنان شهد ولا يزال الكثير من الانعكاسات. ويعود ذلك الى اعتبارات عدة من بينها في اعتقادهم انه يشكل ملاذا كبيرا ومهما للاجئين السوريين او العراقيين وممرا للكثيرين منهم الى الخارج ايضا ومن المصلحة الا يسمح بالعبث بوضعه او استقراره الى حد تخريبه كما هي الحال في العراق او سوريا لئلا تكون المنطقة والمجتمع الدولي امام كارثة من نوع اخر. ويقول هؤلاء ان اجتماع مجموعة الدعم الخاصة بلبنان في نيويورك في ايلول الجاري، وهي المجموعة التي قامت على هامش اعمال الجمعية العمومية للامم المتحدة من اجل دعم نأي لبنان بنفسه عن تطورات المنطقة وتحصينه بمساعدة جيشه يمكن ان يعيد تأكيد ذلك. ويبدو بحسب هذه المصادر ان الاطمئنان لوجود هذه المظلة الدولية من حيث المبدأ يشكل خلفية لمواقف سياسية عدة تبدو كأن اصحابها يمارسون ترفا سياسيا في وقت غير مناسب او يسعون الى توظيف او استغلال الوصول الى مطالب سياسية في هذا الوقت او لاستمرار الصراع السياسي وفق ما يعبر عنه الواقع الراهن بحيث لا يصار في الحكومة الى رؤية موحدة متكاملة سياسية لتحصين الوضع مثلا. يضاف الى ذلك الاعتقاد او الرهان على ان ثمة ما بات يدفع في المنطقة نحو التقاء مصالح بناء على المخاطر التي يراها الجميع في تمدد التنظيمات الارهابية بالاستناد الى اللقاء السعودي الايراني اخيرا.
الا ان مراقبين يخشون الا يحمي ذلك لبنان من المتغيرات التي باتت تلفحه بقوة على غير مستوى ديموغرافي وسياسي واجتماعي بحيث تتنامى الخشية كبيرة على نسيجه وفق ما باتت عليه الحال راهنا.