أطلق المسؤولون في “حزب الله” في الآونة الأخيرة مواقف سياسية خارجة عن السياق المعهود لخطاب الحزب تعتبر مرنة، وتتسم بالدعوة الى الحوار وبدت بالنسبة الى مراقبين منسجمة أكثر فأكثر مع المواقف التي تعبر عنها طهران منذ تخليها عن نوري المالكي في العراق أو على خطاها وتجد تبريراتها أو تفسيراتها في ما يحصل إقليمياً مع ايران في الدرجة الأولى ومن جانبها أيضا في اتجاه المملكة السعودية. اذ مما لا شك فيه أن ايران تضع مسؤولي “حزب الله” في اطار توجهاتها للمرحلة المقبلة بما يسمح للحزب بالتحرك من ضمن مبادرات استباقية يبرز فيها مقداماً على الساحة السياسية. وهناك آراء متناقضة في تقويم المواقف الايرانية الجديدة واستتتباعاً مواقف “حزب الله”، التي يرى البعض أنها تعكس تراجعاً على ضوء معلومات غير مؤكدة تتحدث عن استعدادات لدى الحزب لترك بعض المناطق التي سيطر عليها في سوريا، فيما يراها البعض الآخر تعزيزاً للمنطق الذي روّجه حول انخراطه في الحرب السورية مع التحالف الدولي الذي بدأ يتشكل في العراق من أجل مواجهة تنظيم الدولة الاسلامية.
لكن هذه المواقف التي كان آخر من عبر عنها نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم من خلال تقديمه “النصح لجماعة 14 آذار لأن يقدموا رؤية سياسية للحوار مع الحزب”، لم تحظ بردّ علني من الأفرقاء السياسيين خصوصاً في قوى 14 آذار حتى الآن وإن كانت حظيت بانتباههم.
هل هذه الدعوات جدية؟
ثمّة قدر كبير من الحذر وعدم الثقة يطبع مواقف الأفرقاء السياسيين وغني عن القول أن هناك عدم ارتياح يثيره خطاب الحزب الاستعلائي ولو في معرض محاولة الايحاء بمد اليد للحوار أو مد يده للحوار فعلاً. لكن أياً تكن الأسباب الاقليمية أكانت تتصل بايران أو بما آل اليه الوضع في العراق، وأيضا في القلمون وعلى الحدود مع سوريا، فإن هذه المواقف يراها المراقبون ايجابية وينبغي أن تضعها قوى 14 آذار قيد الامتحان بحيث تتلقف هذه الدعوات المتكررة من أجل حشر الحزب في مواضيع مهمة وحيوية بدت ملحّة في الآونة الاخيرة، خصوصاً على الصعيد الأمني حيث الحجم الكبير من انعدام الثقة، خصوصاً في موضوع عودة قرية الطفيل الى الواجهة في الأسبوعين الأخيرين أو في إزالة الكثير مما هو عالق ومحتقن في موضوع عرسال ومحيطها، على سبيل المثال لا الحصر. فهذه مواضيع يهم قوى 14 آذار وتحديداً تيار المستقبل مناقشتها وتخفيف ما يحوطها من ملابسات، نظراً الى ما يمكن أن يترتب على ذلك من ايجابيات.
بعض المعلومات أفاد عن تحضيرات لدى البعض في فريق 14 آذار من أجل اقتراح رؤية تتصل بموضوع انتخابات رئاسة الجمهورية تحديداً، باعتباره الاشكالية الأكبر على الصعيد السياسي والذي يمكن أن يخفف من وطأة التوتر ويوحي بالاطمئنان. فهناك اقتراحات محتملة من نوع إبداء الاستعداد مثلاً للتخلي عن الترشيحات الحزبية والانفتاح على مرشح توافقي يلتقي بعض المراجع أو الأفرقاء السياسيين على مواصفاته العامة، والتي يمكن أن تختصر بمضمون أن يكون مرشحاً لا يستفّز أحداً. وهذا يعني أيضاً ألا يستفز “حزب الله”. إلا أن المعلومات تحدثت عن عدم بحث الاستعدادات لهذه المقاربة في ما بين قوى 14 آذار حتى الآن، ولن يصار الى تقديم أي اقتراحات من دون أن يكون نقاش أساسي مع القوى المسيحية في هذا الفريق، ما يفيد بالنسبة الى المراقبين أن هناك استعداداً مبدئياً على الأقل بين الأفرقاء غير المسيحيين من ضفتي قوى 14 و8 من أجل محاولة التلاقي في موضوع انتخابات الرئاسة مع إدراك الجميع أن لا شيء ممكناً على هذا الصعيد من دون موافقة الأفرقاء المسيحيين. إلا أنه يتعين على المسيحيين في قوى 8 و14 آذار قراءة ما يجري من زاوية أن الانفتاح الاقليمي والتقارب المحتمل بين ايران والمملكة السعودية على ضوء التطورات التي أطلقتها تطورات العراق ودينامية مواجهة تنظيم الدولة الاسلامية، سيحتم انعكاسات ايجابية على لبنان ما قد يجعل صعباً على كل من “حزب الله” وتيار المستقبل عدم ملاقاة التوجهات الجديدة كل من جانبه. ومن هذه الزاوية بالذات أهمية وضرورة استباق الخطوات المحتملة بالنسبة الى الافرقاء المسيحيين، ومواكبتها بما يناسب مصلحتهم ايضاً والتي يفترض أن يكونوا قد بدأوا بقراءاتها كما يقول المراقبون بعودة الرئيس سعد الحريري الى بيروت، باعتبار أن هذه العودة تشكّل مؤشراً لا يجوز تجاهل ابعاده انسجاما مع الاسباب المباشرة التي قدّمت لعودته وبعيداً منها في الوقت نفسه.
كما يتعيّن على هؤلاء أن يكونوا شركاء في حوار انطلاقا من أن فريق 14 آذار لا يستطيع أن يترك كرة الحوار في ملعبه من دون إعادتها أو الردّ عليها بما يلزم، خصوصاً اذا كان هذا الردّ ينحصر في أولوية أساسية تتعلّق بعامل يهتم به المسيحيون قبل سواهم وأكثر من سواهم، أي ملء الشغور في موقع الرئاسة الاولى. فمع أن هناك عوامل عرقلة داخلية معروفة للانتخابات الرئاسية فقد كانت هناك دوما أسباب تخفيفية تتصل بالعوامل الاقليمية التي حين تختفي من الواجهة تصبح الكرة كلياً في ملعب الأفرقاء المسيحيين، بل في ملعب بعضهم دون سائر الآخرين. فهل يستطيع هؤلاء تحملها والاستمرار في العرقلة؟