يملك تيار «المستقبل» حساباتٍ رئاسيّة مرتبطة بعلاقاته الإقليمية والدولية، تتحكَّم بمفاوضاته الرئاسية ودخوله لعبة الأسماء، خصوصاً بالنسبة الى رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون.
من الواضح أنّ الرئيس سعد الحريري وضع حدّاً كبيراً لآمال عون برفضه بدايةً مثلّثه «الإفتراضي»، ونظريّة «الأمن السياسي» التي سيطبّقها في حال انتُخب عون رئيساً. قد يكون الحوار المستقبلي-العوني أثمَر تفاهماً على ملفات عدة، لكنّ هذا التفاهم المرفق بتنازلاتٍ عونية، لم يكن ليحصل لولا استعداد عون لتقديم هدايا إلى الكتلة النيابية الأكبر من أجل كسب تأييدها في الاستحقاق الرئاسي. فمراقبة مسار الحوار بين «التيّارين» دفعت الى التساؤل عن السبب الرئيس لعدم حَسم الحريري موقفه بقبول عون رئيساً أو رفضه، على الرغم من ضغط حلفائه المسيحيّين عليه، وانتظار العونيّين قراره «الحلم».
دعا الحريري عون الى صوغ اتفاق مسيحي-مسيحي من أجل تسهيل انتخاب رئيس للجمهورية، والتحاور مع «القوات اللبنانية» والكتائب والمستقلّين، لأنّه لا يرغب باللعب في الملعب الماروني، لكنّ الردّ أتى سريعاً من أحد النواب العونيّين الذين كانوا رأس حربة في الصدام مع «المستقبل» واتّهامه بسرقة حقوق المسيحيين، وهذا النائب لم يتوانَ عن التحريض المذهبي والتفاخر بتحالفه مع «حزب الله» لمواجهة جشع «المستقبل» على حدّ قوله، وهو قال إنّ الحريري زعيم مسيحي، ويملك أكبر عدد من النواب المسيحيين بعد تكتل «التغيير والإصلاح»، وبالتالي يُعتبر ثاني أكبر زعيم مسيحي بعد عون، لذلك نحاوره، بينما حزبا «القوات» والكتائب لا يملكان سوى 13 نائباً مسيحيّاً».
تتناول قيادات «المستقبل» في الصالونات السياسية قضيةَ مراوغة الحريري مع عون، ويقولون إنهم «يريدون ردّ صاع الهجوم العوني منذ 2005 علينا، صاعين، بعدما مسكنا عون باليد التي توجعه، والموضوع ليس إنتقاماً، بل تعويضاً عن المرحلة السابقة التي بلغ فيها هجوم عون علينا مرحلة تشويه صورة الرئيس الشهيد رفيق الحريري، فالأمور باتت واضحة، ولن نقبل به رئيساً على رغم كل العروض المغرية التي قدّمها لنا».
بين التطورات الإقليمية في سوريا والعراق، وأحداث الداخل، يرى المستقبليون أنّ «المرحلة الآن، هي لإجبار عون على تقديم أكبر تنازلات سياسية ممكنة، ومرحلة انتقام وإذلال سياسي، «لأننا نعرف أنّ الرئاسة هي معركة حياة أو موت بالنسبة إليه، بينما نحن موجودون في السلطة، فوجود الرئيس تمام سلام على رأس الحكومة، مماثل لوجود الحريري في السراي، وبات بإمكان الحريري مخاطبة عون قائلاً تصريحك في غير محلّه، بينما لا يستطيع عون الردّ لأنّه بأمسّ الحاجة الى دعم الحريري».
كل هذه المسافة، لا تلغي احتمال استكمال الحوار العوني-المستقبلي، إذ يقول قيادي في «المستقبل» إنّ «التيّار لا يتعاطى بكيدية، لكنه لا ينسى الماضي، إلّا اذا كان هذا النسيان يصبّ في مصلحة لبنان»، لافتاً الى أنّ «الخلاف مع عون هو على الخيارات الكبرى، وحتّى الآن لم يقنعنا بأنه يملك حلّاً لمشكلات البلد، بل قد يكون انتخابه رئيساً، جزءاً من تكبير المشكلة، على رغم المغريات التي يقدّمها والتي تبدأ من عودة الحريري الى رئاسة الحكومة، والإبقاء على قانون الستين الذي يُرضينا، وإغداقنا بالوعود عن تقديم تسهيلات في الملفات الاقتصادية وملف النفط، لكنّنا نعرف أنه لا يملك كل هذه الاوراق بل حليفه «حزب الله» الذي يستقوي بسلاحه».
قد يذهب النائب العوني الى اعتبار الحريري الزعيم الأوّل للمسيحيّين ويليه عون، إذا اضطّر مع تكتله إلى تقديم مزيد من التنازلات أو الوصول الى حدّ التخلي عن ملف النفط الذي يُعتبر ملفاً حيوياً بالنسبة إلى التكتل، أو ربما التخلّي عن حصّة المسيحيين في الإدارات العامة والمواقع الوزارية والنيابية، في مقابل القبول بعون رئيساً، وإلّا سيرفع الجنرال في وجه الحريري مجدّداً كتاب الإبراء المستحيل ويتّهمه بدعم التطرف، إذا ما انتخب رئيساً غيره.