المشهد الإقليمي يزيد مسؤولية «البوصلة اللبنانية»
المسيحيون العرب ينتخبون رئيس الجمهورية؟
بدّل المشهد القاتم الذي نشرته «داعش» في المنطقة كل الأولويات. في أحاديث الناس والسياسيين، في الحانات والمقاهي، كما في مواقع التواصل الاجتماعي.. «داعش» حاضرة دائماً.
لبنان لا يزال، عملياً، أقل المتضررين من الخطر الداعشي، لكن المنطقة من حولنا تغلي. في العراق وسوريا، لا فرق بين الراية السوداء والموت. الهروب من الاثنين هو المرتجى لكل من يستطيع. المهجرون وصلوا إلى المليونين في العراق. كل الأقليات مطلوبة الرأس، حتى بعض من تتفق معهم «داعش» في المذهب. تكفّر الجميع بلا استثناء، يهرب الأيزيديون إلى الجبال ويهرب المسيحيون إلى كردستان أو لبنان.
في السياسة، ثمة من يفصل بين ما يجري للمسيحيين وما يجري مع غيرهم من الأقليات. يتركز هذا الفصل في لبنان أكثر من غيره من البلدان العربية. في تلك البلدان، لا يزال الخطاب الرائج هو أن أزمة المسيحيين هي جزء من الأزمة الشاملة، وبالتالي لا يجب فصل مسارهم عن مسار كل المهددين بعمليات التطهير التي تمارسها «داعش». الرد اللبناني حاضر: للمسيحيين خصوصية داخل الأزمة الكبرى، بوصفهم الأكثر استهدافاً. هنا تعود نظرية «إفراغ الشرق من المسيحيين» إلى الحضور بقوة.
دعوة فرنسا للمسيحيين إلى الهجرة إلى أراضيها حركت هذا الشعور. أعادت التذكير بالبواخر التي رست أمام الشاطئ اللبناني، في العام 1958، مستعدة لترحيل المسيحيين إلى أميركا وكندا واستراليا. منذ ذلك الحين، وما قبل، ما زال لبنان يعتبر حاضنة المسيحيين العرب، أو ما درج على تسميته مسيحيي الشرق. هذه الحاضنة تبدو المقياس بالنسبة لكثر. قد يكون عدد المسيحيين في لبنان هو الأقل نسبة إلى العراق وسوريا، لكن مع ذلك، لا يحتاج الأمر إلى كثير تحليل للتأكيد أن العصب لهؤلاء يبقى لبنان، حيث للمسيحيين الدور الأكبر بالمقارنة مع كل المحيط. بهذا المعنى، ومع ازدياد قسوة المشهدين العراقي والسوري وتبعاته الديموغرافية، زادت القناعة بأن لبنان هو بوصلة مسيحيي الشرق.
إذا كانت هذه البوصلة قد أصيبت بجروح بالغة من جراء الفراغ في رئاسة الجمهورية، فإن ما استجد من عناصر على المشهد الإقليمي، جعل من هذه البوصلة الأمل الأخير لمسيحيي المنطقة، ما يحتم الإسراع في إصلاحها. بهذا المعنى، يؤكد مصدر على صلة مباشرة بالملف الرئاسي أن ملف «مسيحيي الشرق» صار أحد اللاعبين الرئيسيين في معركة الرئاسة اللبنانية. المطلوب أن يكون للرئيس اللبناني امتداد عربي وأن يشكل اسمه رسالة إلى هؤلاء تؤكد الحرص عليهم والتمسك بهم. ثمة قناعة بدأت تتركز أكثر مفادها أن وجود رئيس على مستوى تلك الآمال يمكن أن يرفع منسوب التفاؤل لدى المسيحيين العرب الذين طالما رددوا لنظرائهم اللبنانيين: «طالما أنتم بخير نحن بخير».
زادت الأحداث الأخيرة من مسؤولية الرئيس اللبناني المنتظر. لم يعد فقط صاحب المركز الأخير للمسيحيين العرب، إنما تحول إلى دور ورسالة إلى كل المحيط. وعليه، فإن إسقاط هذا الواقع المستجد عربياً على الواقع اللبناني يسمح بإعادة ترتيب الأولويات بما يعيد الاعتبار إلى نظرية الرئيس القوي، التي خفت وهجها في الفترة الأخيرة. حالياً، صار الحديث عن رئيس تسوية، بحسب مرجع سابق، بمثابة «تغطية لعملية تصفية دور المسيحيين وإنهاء وجودهم في لبنان».
لا يزال الأقوياء أربعة: ميشال عون، سمير جعجع، سليمان فرنجية وأمين الجميل. من أراد أن يضيق الخيارات ويربطها بما يتعرض له مسيحيو المنطقة، قد يجد أن العماد ميشال عون الذي كان أبرز من حمل لواء هؤلاء منذ «مؤتمر مسيحيي الشرق» الذي عقد في العام 2010، هو أكثر من تنطبق عليه هذه المواصفات «الرئيس المشرقي». منافسوه الأقوياء، لديهم نقاط ضعف عديدة تتعلق بطريقة التعامل مع هذا الملف. أما منافسه الأول، أي جعجع، فلم ينس كثر شعاره «فليحكم الأخوان»، كما لم ينسوا تقليله الدائم من أهمية الخطر الداعشي.
هل هذا يعني أن ثمة حراكاً جديداً في مسألة الرئاسة اللبنانية؟ يؤكد مصدر معني أنه من المبكر الحديث عن أي إيجابية، خاصة أن لبنان لا يزال بعيداً عن دائرة الاهتمام الغربية. لكنه مع ذلك يرى أن الجديد هو أن الغرب بدأ يستشعر خطراً على المسيحيين العرب، ما سيعني لاحقاً أن المطلوب رئيس له دور في حل هذه المعضلة.
لا شيء سيتغير من الآن حتى تشرين الأول. حينها من الممكن للتفاؤل أن يزيد، مع قناعة لدى معظم المراقبين أن فرص اتفاق نووي أميركي إيراني صارت كبيرة، خاصة بعد التعاون والتنسيق الذي يقوم به الطـرفان في الملف العراقي.
يدرك عون كل هذه المعطيات جيداً. ومن ظن أنه سيتراجع عن ترشيحه غير المعلن في ما سبق، رآه يتقدم خطوة للأمام من خلال تقديمه اقتراح قانون لانتخاب الرئيس من الشعب مباشرة. هذا يعني أن عون مصر على إكمال السباق الرئاسي حتى النهاية. وهو إذا كان يصر في السابق على أنه يمثل الأكثرية المسيحية اللبنانية، فهو صار اليوم واثقاً أنه مرشح الأكثرية المسيحية العربية.