المسيحيون الذين عرفوا باسم «الموارنة» لانهم اختاروا ان يكونوا من المؤمنين بما كان يعلمه الراهب مارون ويكرز به في معتزله الروحي، وبما كان يحققه من شفاءات مستحيلة، لم ينزحوا من سوريا الى لبنان، هربا من جوع او فاقة او مرض. بل لانهم بدأوا يتعرضون للاضطهاد والقتل من قبل مسلحي «داعش» و«النصرة» وتأكد لهم ان بقاءهم في ارض تنهشها الحرب هي ارض قاحلة انسانيا واخلاقيا، وروحيا، ولا مجال ان تنمو فيها وتزدهر غرسة الحرية والكرامة التي زرعها فيهم القديس مارون، ومن بعده اول بطريرك للموارنة مار يوحنا مارون، الذي جمع المسيحيين الموارنة في مجتمع متحد قائم على مبادئ الكنيسة الام، والكنيسة المارونية السريانية، ومن يومها تمسلك المسيحيون الموارنة بلبنان، ارضهم الجديدة، وبقيم الحرية والكرامة والعنفوان، ورفض كل نظام يقمع الحريات، ويذل الكرام، ويتجبر على الاخر، وانفتحوا على كل اخر، في قلبه مكان للمحبة والسلام، مهما كان دينه او مذهبه او لونه او عرقه، وقد خاضوا حروبا عديدة للمحافظة على الارض وعلى هذه القيم التي تنشأوا عليها، وكانوا في احيان كثيرة، العين التي تقاوم المخرز وتنتصر عليه مهما كان الثمن غاليا.
هذه المقدمة تقودنا الى الكلام عن الحركات والتنظيمات المسلحة التي كانت تحمي المسيحيين وتدافع عنهم طول مئات السنين ونتوسع قليلا، بالاقرب الينا، وهو الجناح العسكري لحزب الكتائب الذب برز في بداية الحرب اللبنانية في العام 1975 كحام وحيد للوجود المسيحي في لبنان، بعد الانفلاش الفلسطيني المسلح على مساحات واسعة من الارض اللبنانية، وقبول فكرة ان يكون لبنان وطنا بديلا لفلسطين، ومن ثم، وتحت شعار توحيد البندقية المسيحية المقاومة، اسس الشيخ بشير تنظيم «القوات اللبنانية» الذي ضم مقاومين من مختلف الاحزاب اللبنانية ذات الاكثرية الشعبية المسيحية ومن فريق كبير من المستقلين، ولم تختلف اهداف هذا التنظيم وشعاراته، منذ اطلاقه وحتى حله بعد اتفاق الطائف، عن اهداف المقاومة المارونية وشعاراتها التي بدأت مع البطريرك مار يوحنا مارون، وهذا الكلام الحقيقة، موثق في خطب بشير الجميل وهو قائد للقوات اللبنانية، وهو رئيس للجمهورية، في ولاية تم قتلها قبل ان تولد على يد اعداء الحرية والسلام والكرامة والسيادة، كما هو موثق في خطب وادبيات الدكتور سمير جعجع، قائد القوات اللبنانية، اولا، ورئيس حزب القوات اللبنانية ثانيا، واي كلام آخر، هو قول مجاف للحقيقة والواقع، مهما حاول بعض الاعلام في سعيه لتشويه صورة القوات اللبنانية، سابقا وحاليا، من اجتزاء او اقتطاع او تحوير او تحريف ما كان يقوله بشير الجميل وما يقوله سمير جعجع عن موقف المسيحيين الثابت الذي لا يتغير ولا يتبدل، وهو في هذه الحالة يشبه موقف الكنيسة المارونية التي تتمسك بثوابتها التاريخية ولا تحيد عنها، وقد لفتني في هذا الخصوص الموقف الصريح الواضح الذي لا يقبل الطعن ولا التشويه، الذي صرح به سمير جعجع الى جريدة «الشرق الاوسط» حيث اكد ان المسيحيين لا يمكن ان يتعايشوا مع اي نظام دكتاتوري او نظام ديني، وانه لم يقلل يوما من وحشية «داعش» واجرامه، وعناصره جماعة من المجرمين المنحرفين، وليس لهم اي مقومات للاستمرار، وان الفوضى في سوريا والعراق هي التي اوجدتهم وفتحت لهم الابواب، اما التأكيد الاهم الذي يكشف استعداد «القوات اللبنانية» الى القتال اذا دعت الاوضاع ذلك، قوله انه اذا وصل تنظيم «داعش» الى لبنان ستكون مقبرتهم هنا، وليس اقل من ذلك.
ان المكونات الطائفية التي يتألف منها الشعب اللبناني وخصوصا تلك التي كانت بسبب وجود دولة لبنان، والتي ترفع شعار «لبنان اولاً» ستكون واحدا في مواجهة داعش والتكفير، وواحدا في مواجهة الظلم والدكتاتورية.