قيل ويُقال وسيُقال إن الحكي بين الناس ملازم لوجودهم. وإن الحكي بين متخاصمين ملازم لعجزهم! وإن التسوية في أحد معانيها هي تعبير فخم ومبهرج عن عجزين متقابلين ومتساويين.. وإن الحوار يبقى باباً دوّاراً يدخل عبره مهزومون ويخرجون منتصرين! وإن في اللبنانيين أشياء من ذلك كله. وإن عجزهم في النتيجة ولاّد إيجابيات أكثر من السلبيات ولولاه صحّ الافتراض أنه لو أمكن طرف منهم أن يفرض إرادته التامة على الآخرين لفعل! ولو وجد أن احتمال «انتصاره» لن يكون بائساً ومدمّراً إلى حدود تمني الهزيمة بدلاً منه.. لحاول وانتهى المشوار!
السنوات الماضيات كانت مثالاً وهّاجاً على عجزين كبيرين متوازيين: الأول العجز عن إلغاء الآخر والثاني العجز عن التفاهم التام معه!
ولإبعاد شبهة الظلم والافتراء المتأتية من قراءة مبتسرة تساوي بين الجلاد والضحية والمرتكب والبريء، وجُبَ التذكير بأن طرفاً واحداً يعاني جراء تلك المعادلة، هو الطرف المسلّح حتى النخاع وليس سواه: ذهب «حزب الله» إلى الحوار في بداياته غصباً عنه، ثم امتنع عندما ابتعد ذلك الغصب عنه.. لم يلتزم مرّة بتنفيذ أي بند اتُفق عليه وعجز في المقابل عن تقديم أي بديل عن المأزق والفتنة! ثم فوق ذلك لم يجد أي حرج في أدلجة نكوصه وتراجعه عن التزاماته ونقضه تعهداته والبناء على ذلك لتأكيد وقوعه أسيراً أولاً لذلك المأزق المزدوج.
.. وذلك المأزق هو جزء من مأزق المشروع الإقليمي الذي ينضوي تحت بيرقه ذلك الحزب، والذي لم يستطع تقديم أي شيء غير الحرب والانقسام والفتن من العراق إلى سوريا إلى لبنان. بحيث أن إيران لا تعرف كيف «تحاور» الآخرين، لأنها لا تريد ذلك أصلاً، ولأن أهدافها تقوم على نقض ذلك المعطى من أساسه: من يحمل مشروعاً مذهبياً لا يستطيع الدخول في «حوار» لمصلحة «الأمة» الإسلامية! ومن يحمل مشروعاً أساسه الهيمنة القومية لا يستطيع مخاطبة أقوام الآخرين بلغة المساواة. ومن يتطلّع إلى التجبّر والتكبّر لا يمكنه التواضع والاعتراف للآخرين بحقهم في حماية أوطانهم وكياناتهم من أي تدخّل في شؤونها وشجونها وتركيباتها واجتماعها!
مأزق ذلك المشروع في خصائصه ذاتها مثلما هو في رفض الآخرين له، ولذلك هو مأزق متناسل يبدأ في «مركزه« الإيراني ويصل إلى ملحقاته العراقية والسورية واللبنانية.
.. في قمّة تجلياته الكارثية، عليه وعلى الآخرين، إن «القتال» يجري في «ساحاته» المفترضة وليس في ساحات غيره، لكن هذه في الخلاصة الكئيبة هي ساحات عربية وإسلامية تامة! وفي ذلك ما يكفي من دلالات إلى حجم الأضرار التي سببتها وتسببها إيران فيما كان الظن الافتراضي المثلوم والمغتال، أن فوائد «ثورتها» ستفيض على الجغرافيا والتاريخ معاً!
نكبة سوريا، وقبلها نكبة العراق و»تفعيل» أزمات لبنان وحروب اليمن والعبث التخريبي في دول الخليج العربي.. كلها عناوين متفرقة لكتاب واحد اسمه: المشروع الإيراني! وكل الباقي تتمات هامشية لا يُعتدّ بها.