المصلحة الوطنية هي الأساس والركن الهام للعمل السياسي لأي بلد وهي الاستخدام الحذر والأمين لجميع الوسائل الممكنة لتحقيق المصالح الحيوية للوطن والمواطن في الداخل والخارج. والمفترض هنا أن تكون المصلحة الوطنية ثابتة في جلب النفع العام والخاص وفق أولويات الوطن وأبعاد كل أشكال الخطر والضرر والسوء التي قد تعيق النمو والارتقاء الوطني الشامل.
وأضحى من المعروف اليوم أن السياسة المعنية بالنازحين داخلياً تواجه واقعاً صعباً، تجلت مظاهره في الآونة الأخيرة ليس فقط في نزوح أهل المدن السورية بل من قبل المزارعين السوريين المتضررين من الجفاف والصراع العسكري الدائر في مناطق الأرياف السورية. لذلك فان الجانب الرئيسي في سياسة النازحين داخلياً تلزم الدولة اللبنانية بايجاد حلول والضغط باتجاه المطالبة بالعودة إلى داخل الأراضي السورية الآمنة نسبيا، لأن نمط التحضر قد أثبت أنه كلما زادت هجرة الأشخاص إلى المدن، زاد ميلهم إلى عدم العودة إلى مناطقهم الأصيلة.
لا يتوقع المراقبون بأن تحدث متغيرات كبيرة تجاه السياسة المتبعة لمعالجة موضوع النازحين السوريين خلال الأشهر الثلاثة المقبلة, بل أن السياسات المحلية المتبعة سوف تحفز الى وصول أعداد كبيرة من النازحين الى داخل الأراضي اللبنانية خاصة اذا ما اشتدت المعارك الساحلية وتحولت المعارك الى داخل العاصمة دمشق. فانها لن تكون المرة الأولى التي تحدث فيها عملية نزوح لأن هذه مستمرة منذ أكثر من ثلاثة أعوام. وهذا ما أكدته تقارير المنظمات الدولية التي تتابع ملف النازحين حيث أن عدد الأجانب في لبنان سوف يناهز 3.5 مليون فرد في نهاية هذا العام. مع ذلك، فلم يتحمل أحد المسؤولية تجاه هذا الموضوع الوطني الحساس, فلذلك ضاعت معه المصلحة الوطنية!
يجري التركيز اليوم على العمل الخيري لاعانة النازحين السوريين وعلى قاعدة أن هناك مجتمعا دوليا سوف يتعهد بأن يقدم المساعدة الكاملة للبلد المضيف وهذا ما لم يحصل في لبنان، بل على العكس فقد تحملت الحكومة اللبنانية جزء من مسؤوليتها وعلى حساب خزينة الدولة وعلى حساب المواطن اللبناني مع توقف استكمال المشروع الوطني للتنمية المستدامة والذي تذهب موازنته لصالح المساعدات الاجتماعية للنازحين السوريين, فاختلطت معها الأولويات ما بين مطالب المواطن اللبناني واحتياجات النازح السوري الملحة.
اما الظاهرة الأخرى للبعد الانساني لأزمة اللجوء السوري فتمثلت بتغييب الذراع الانساني للدولة عن ادارة هذه الأزمة ومتطلبات البنية التحتية ودور الهيئات الدولية المساندة كمفوضية اللاجئين وبرنامج الغذاء العالمي واليونيسف والجمعيات الانسانية كمنظمة انقاذ الطفولة وكير العالمية..الخ. فالأزمتين الاقتصادية والسياسية متلازمتين ومتداخلتين، والاسباب والظواهر والاعتبارات والمتطلبات الاجتماعية لا تخفى على أحد ولا يمكن انكار أن هذه الأبعاد المعقدة والصعبة ازدادت حدة بسبب غياب استراتيجية شاملة وفاعلة وبسبب تواضع الخبرة لدى الجهات الحكومية التي تولت الادارة والتخطيط بأسلوب ومنهجية عفوية حيث كان من الأجدى التعامل مع أزمة اللجوء السوري بجدية وببعد استراتيجي وسياسي لتجنب تفاقم الأزمة داخليا واستباق معالجة عناصرها الادارية واللوجستية.
لقد تبين أن عملية إيواء اللاجئين في المناطق الحدودية لها تأثير مباشر تتعلق بتسهيل آلية مغادرة لبنان والعودة اليه سواء من قبل المقاتلين او الجرحى او الهاربين مع أسرهم وكل ذلك سهل تحركاتهم بيسر من والى الحدود اللبنانية سواء كان ذلك بطرق قانونية عبر المنافذ الشرعية، أو بطرق ملتوية أدت الى عملية دمج غير رسمية للاجئين في المجتمع المحلي وبشكل عشوائي وغير مراقب من قبل السلطات المحلية. وكل هذا سبب احتكاكا مع المجتمع المحلي بشكل سلبي غير المزاج اللبناني لجهة الضيافة والكرم اللبناني المعهود.
كما أن الفئة الأولى من النازحين أخذت تنافس أبناء المجتمع المحلي على فرص العمل المحدودة وحتى فرص السكن خاصة بالنسبة الى الفئات اللبنانية متدنية الدخل وعلى استهلاك مرتفع للموارد الشحيحة اصلاً في تلك المناطق من مياه وكهرباء. ونحذر اليوم بأن اقرار سلسلة الرتب والرواتب سوف تدفع بالاقتصاد الوطني نحو المجهول خاصة وأن أصحاب المصالح التجارية سوف يلجأون الى توظيف الأجانب الذين يقبلون برواتب متدنية مقابل راتب العامل أو الموظف اللبناني, مما سوف يزيد من نسب البطالة في صفوف الشباب اللبناني وسوف يساهم في دعم قضية النازح ويسهل عليه عملية البقاء في البلد الذي فتح له باب رزق لن يجده في وطنه الأصيل.
والأهم أن غياب الدور الرسمي اللبناني قد سهل جمع التبرعات والالتزام الاجتماعي تجاه قضية النازح مع غياب كلي للمرجعية الرسمية المعروفة بالنسبة الى المانحين والمتبرعين لتكون هي مسؤولة وعاملة بأسس ادارة وتوزيع واشراف عالمية ومن دون أن يكون لديها القدرة على مساءلتها ومراقبة ادائها من قبل المانحين والمتبرعين دون الاضطرار الى الاحجام أو التردد في التبرع او التذرع في الخشية من عدم حسن استخدام التبرعات خاصة في وقت شحت فيه الموارد المخصصة للعمل الإنساني، ناهيك عن الاعتبارات السياسية تجاه الازمة السورية الأم حيث تعتبر جهات كثيرة أن البديل للنظام السوري ليس على خطها السياسي.
واذا كان طبيعياً أن يخضع هذا المفهوم للتباين وفق اختلاف المصالح والانتماءات بين مرحلة وأُخرى وأن يتطور المفهوم وفق الآليات السياسية والاجتماعية وحتى الاقتصادية والثقافية في اطار هذه المرحلة الدقيقة فان من الطبيعي كذلك أن يسعى كل المسؤولين والسياسيين من أفراد الوطن وكل حزب سياسي أو مؤسسة مدنية للعمل الجاد ليضفوا على مفهوم المصلحة الوطنية أيديولوجية وطنية وفكرا سياسيا موحدا بل أن يعدوا برامج وخططا انمائية ومناهج عملية ووسائل لوجيستية والتي يجب أن تنحصر في تحقيق المزيد من الأمن الوطني الشامل والولاء والانتماء والمحافظة على المواطنية وقيمة ممتلكات الوطن وأن تكون الأولويات والهم الوحيد للقيادات اللبنانية موجهة نحو بناء الاقتصاد الوطني ليكون رافعة الوطن ولتحقيق الغايات المرجوة التي تصيب المواطن اللبناني بالمنفعة المباشرة مع التوازي في عمل الخير للانسانية جمعاء ولتحقيق الهدف المنشود للمصلحة الوطنية بثبات, طبعا مع اعطاء الأولوية لسد الحاجات والخدمات الاجتماعية للمواطن اللبناني!.