مع إجراء الانتخابات السورية، تكتمل «رئاسيات» المنطقة العربية، وتبدأ ملامح ولادة نظام رسمي عربي جديد.
من مصر إلى العراق إلى سوريا، تتشكّل أنظمة عربية جديدة تحمل سِمات داخلية مشتركة، ومن المتوقع أن تواجه أزمات سياسية وأمنيّة متشابهة من حيث الشكل، فيما يخضع المضمون لظروف كلّ دولة وخصوصيّاتها.في مصر يعود “العسكر” إلى السلطة بإقبال شعبي ضعيف، وتشكيك غربي، وتراكم الأزمات الداخلية، وفي مقدّمها مكافحة الإرهاب.
وفي العراق، يُعاد انتخاب نوري المالكي، في ظلّ انقسامات ضمن بيت الحكم ذاته “التحالف الشيعي العريض”، وتمرّد بعض “المكوّن السنّي”، ومواجهة مفتوحة مع “الإرهاب”، الأمر الذي يجعل الجميع بحاجة للخارج ليُواجهوا التحدّيات المقبلة، لعدم تحويل بغداد ساحةً وصندوقَ رسائل.
وفي سوريا، يعود بشّار الأسد رئيساً منتخَباً، ويعود الغرب ليُشكّك في شرعيّته، فيما التحدّيات المقبلة تشمل مكافحة الإرهاب، واحتواء الأزمة الداخلية، والشروع في المصالحة والإعمار.
هذه الدول الثلاث، تشكّل نموذجاً لشكل النظام الرسمي العربي الجديد. دول غارقة في ملفّاتها الداخلية وأزماتها البنيوية الحادّة. جيوش منصرفة إلى الداخل ومستنزَفة في حروب مكافحة الإرهاب، ونزاع على “الشرعية” وإثبات الأهلية، وعلاقات إقليمية ودولية مشوبة بالتوتّر ومنطق الإخضاع والابتزاز.
من خلافة بني أميّة حتى حافظ الأسد، ومن خلافة الفاطميين حتى عبد الناصر، ومن خلافة بني العبّاس حتى صدّام حسين، كانت هذه الدول الثلاث تمثّل المقياس الحقيقي والمختبر الجدّي لقوّة العرب وحضورهم، أو لضعفهم وضمورهم.
التاريخ هنا يسعفنا لنعرف أين يكمن الوزن الفعلي في العالم العربي، وأنّ الأوزان السياسية لا تُشترى بالمال ولا تُصنع في الإعلام، والنفوذ العربي لا يتأتّى من خلال “اختراع” أدوار وسياسات إقليمية ودولية مفتعلة. أمّا توصيف الحاضر فيعني أنّ “الفراغ” أو فقدان الوزن والثقل سيكون سِمة “النظام العربي” المتعثّر بعد ما سُمّي “الربيع العربي”.
دول مجلس التعاون، وعلى رأسها السعودية، لا تستطيع قيادة المنطقة بمفردها. ثمّة أسباب موضوعية وذاتية لا تؤهّلها لهذا الدور، ودول المغرب العربي ليست في صلب صناعة القرار العربي. الفراغ سيجد من يملأه، والخيارات في المنطقة واضحة وتمثّل جزءاً من النزاع الدائر حاليّاً.
في ظلّ هذا الواقع، يبدو أنّنا سنعود إلى سياسة المحاور الإقليمية. دول عربية متحالفة مع دول إقليمية بغطاء دولي، في مقابل اصطفاف عربي – إقليمي – دولي في الجهة الأخرى. إيران تلعب دوراً متقدّماً في محاولة تعبئة الفراغ العربي بحضور وتعاون إسلامي، ولهذا تعمل دائماً على احتواء السعودية.
تركيا الأردوغانية إلى أفول لكنّ الدور التركي في المنطقة سيظلّ قائماً برعاية غربية وتفاهم مضمَر مع تل أبيب. إسرائيل بدورها ستستفيد من الواقع العربي لتحاول تقديم نفسها أمام العرب المنزعجين من الدور الإيراني في المنطقة كصديق جاهز ليشكّل بديلاً!
السؤال هنا، كيف سيُحدّد العرب مصالحهم، وعلى أيّ مقياس يجري تعريف هذه المصالح العربية؟
دعوة مصر للرئيس الإيراني حسن روحاني لحضور احتفال قسَم اليمين للرئيس الجديد عبد الفتاح السيسي تشكّل مؤشّراً إيجابياً إزاء إمكان تجاوز التحفّظ حيال طهران الذي يصبّ حُكماً في مصلحة تل أبيب.
التفاهم الإيراني – السعودي، مدعوماً بزخم مصريّ، من شأنه أن يعيد الحرارة مع دمشق وبغداد، ويؤسّس لنظام إقليمي مركّب قائم على عمقين أحدُهما عربي وآخرُ إسلامي، وبهذا المعنى يمكن التعويض عن الضعف والوهن في الجسم العربي، وتغليب المصالح العربية وعدم التفريط بحقوق العرب عند إسرائيل.