ينتظر العالم الخطة الأميركية لترجمة قرار الحرب على الإرهاب ممثلاً بـ«داعش» و«النصرة». فهذه الحرب التي أطلقها سلف الرئيس أوباما وامتدّت لسنوات ضد «القاعدة» وحاول الرئيس الأميركي أوباما الابتعاد عنها فرضت نفسها مجدداً مع انتشار غير مسبوق للإرهاب في الشرق الأوسط وشمال افريقيا. تجذّرت «القاعدة» في اليمن وفي ريف الشمال الافريقي وأنشأت كياناً واسعاً تسعى إلى تركيزه في العراق وسوريا وتهدّد في المدى المنظور دول الخليج. الفوضى التي تعيشها المنطقة هي المناخ المساعد الأول على تنامي هذه الظاهرة ولم يكن ممكناً القضاء عليها بالعمليات العسكرية خاصة الجوية بوجود الأميركيين المباشر أو من دون وجودهم.
الحديث الآن عن «جبهة دولية لمكافحة الإرهاب» لن يضيف الكثير طالما بقيت مشكلات المنطقة من دون حلول سياسية. بين المشكلات الداخلية الأصلية والمداخلات الإقليمية يتفكك اليمن وتتفكك ليبيا ويتجذّر التقسيم في العراق وتتمزّق سوريا على جبهات حربية جوالة من منطقة إلى أخرى. وأمام هول المآسي والكوارث والمخاطر يقف مسؤول في هذا النظام أو ذاك ليعرض علينا «طرفة تمسك بلاده بالسيادة» التي صارت خرقة تتناقلها أيدي الدول الكبرى والإقليمية. ويفاخر أن التاريخ يأتي إلى وجهته فكل ما حدث وصار ليس إلا «الإرهاب»، ويغازل الأميركيين مذكراً إياهم بوحدة الخطاب والموقف.
يبدو واضحاً من التريث الأميركي أنهم يتهيّبون الخوض في هذه الحرب بوسائل تقليدية أو غير تقليدية بخاصة أن الإرهاب والتطرف ليسا محصورين بتنظيم مسلح واحد أصبحت له جغرافيا مستقلة وأنه ليس من جهة أمنية أو سياسية قادرة على استيعاب نتائج العمليات العسكرية، حتى لو استفادت منها، من أجل إعادة الأمن والاستقرار.
والسؤال الذي أصبح ملحاً الآن ما إذا كان الغرب وعلى رأسه أميركا يرغب في معالجة الإرهاب بجميع أشكاله، وما إذا كان يرغب في قيام دول مركزية في حدود الكيانات الحالية، وما إذا كان يريد نظاماً إقليمياً متوازناً للعرب دور فيه بحجم وجودهم ومقدراتهم؟
ما فعله الغرب في ليبيا وفي اليمن وفي العراق وفي سوريا يدفع إلى الاستنتاج أن الأمر هو إدارة فوضى لا بد أن تنتهي باضمحلال الهوية العربية والهويات الوطنية وحكماً الهوية الإسلامية لمصلحة محميات طائفية وقبلية. لا شك في أن ظاهرة كـ«داعش» تقلق الغرب لاحتمالات خروجها عن السيطرة وارتباطها بمشروع دولي أو تنظيم دولي وتصور لكيان إسلامي تصادمي مع كل ما يحيط به. لكننا لم نلمس أي ردة فعل غربية على مسلسلات القتل والتفجير والتدمير والقمع والإبادة التي شهدها العالم العربي وشهدتها غزة من آلة الحرب في الدولة العبرية. ونكاد نجزم ان الإعلان عن «جبهة دولية لمكافحة إرهاب داعش» ليس إلا إطاراً لاحتواء المتضررين وابتزازهم إذا جاز التعبير للاعتراف الصريح بالقيادة الأميركية والمرجعية الأميركية لحل مشكلات شعوب ودول قاصرة وعاجزة عن حكم نفسها وإدارة علاقاتها الدولية وعلاقاتها بالجوار، وهي دول مصابة بالانتفاخ الأيدولوجي ولا تعرف التعامل مع المعطيات الدولية المعاصرة.
تحولت أميركا من «شيطان أكبر» إلى طرف حوار على المصالح وهي الآن قائدة ورائدة في «الحرب على الإرهاب». كانت هي دائماً في أساس «المؤامرة» وهي الآن «الطرف المنقذ» الذي تناشده دول المشاغبة لكي يتولى مهمة تخليصها من حالة الفوضى والتخبط ومن نتائج سياساتها البهلوانية ومن حصيلة ما زرعته في هذه المنطقة على مدى عقود طويلة. حين تصير «أميركا منقذاً» فالأولى بهذا العالم العربي ان يكمل انحداره؛ وهو سيفعل ذلك حتى تسقط كل الهياكل الخربة.