تناقلت الأنباء مؤخراً خبر موت نحو سبعمائة وخمسين شخصاً من المهاجرين غير الشرعيين قرب الشواطئ الايطالية غرقاً، وكان معظم هؤلاء من السوريين (أكثرهم من الأطفال والنساء) في واحدة من رحلات الموت التي تكررت في العامين الأخيرين قرب الشواطئ الجنوبية لأوروبا، ورغم أن الكارثة لم تكن الأولى، فإنها بالتأكيد لن تكون الأخيرة، لأن منبع الهجرة غير الشرعية في سوريا مستمر في دفع المزيد من مرشحي الموت طالما أن نظام الأسد قائم وجرائمه مستمرة، مما يدفع مزيداً من السوريين للهرب بحثاً عن ملجأ آمن، يوفر لهم فرصة البقاء أو احتمالها على الأقل.
وتفتح مأساة موت السوريين في رحلات الهجرة غير الشرعية، ملف الموت الرخيص الذي تعرضوا له على مدى ثلاث سنوات ونصف، قوبلت نتائجه التي باتت تقترب تقديراتها من مليون شخص بأقل قدر من الاهتمام وردات الفعل المحدودة، بحيث لن تتأثر سياسة القتل التي اعتمدها النظام قبل أن يتابعها آخرون من حلفائه وغيرهم حسبما تبين مسارات الموت السوري.
بدأ أول مسارات الموت في أواسط آذار 2011، عندما بدأ جنود الأسد وعناصر مخابراته إطلاق الرصاص على المتظاهرين في درعا جنوب البلاد، ثم انتشر القتل على أيدي أجهزة النظام الى معظم المدن والقرى، التي شهدت تظاهرات واحتجاجات، ما زالت تتواصل ولو بوتيرة أقل في أنحاء مختلفة من سوريا.
وأضاف نظام الأسد الى أسلوب قتله الأول للسوريين، أسلوباً جديداً مع تواصل الثورة عبر عمليات القصف المدفعي والصاروخي على الأماكن السكنية بحجة «وجود مسلحين» و«متطرفين» داخلها، ولم يتأخر في استعمال القناصات بواسطة قتلة مدربين ومجهزين نفسياً وعملياً لزيادة أعداد المقتولين، قبل أن يطور الى جانب ما سبق أسلوباً للقتل الجماعي باستخدام الأسلحة الكيماوية، والتي كانت مجزرة غوطة دمشق في صيف العام 2013، إحدى ابرز جرائمه وحشية، مما آثار المجتمع الدولي لنزع سلاحه الكيماوي في واحدة من أهم العمليات الدولية في التاريخ.
ووسط استمرار عمليات القتل، طور النظام سياسة قتل منظم للمعتقلين والسجناء تحت التعذيب وبخاصة في معتقلات أجهزة الأمن والمخابرات، وفي واحدة من فضائح هذه السياسة كشف في بداية العام 2014، عن قتل أكثر من عشرة الآف معتقل، تم توثيق عمليات قتلهم، من دون أن يمنع ذلك استمرار العمليات الدموية، التي ما زالت تتواصل تحت سمع وبصر العالم ومنظماته الحقوقية والقانونية.
وزاد نظام الأسد الى فصوله السابقة في القتل، أسلوباً جديداً عبر حصار مناطق متعددة، حيث منع عن سكانها الماء والغذاء والدواء وخدمات أساسية منها الكهرباء والاتصالات، مما أدى الى موت ألوف السوريين جوعاً وعطشاً وبسبب نقص الدواء على نحو ما حدث في مدن وقرى غوطة دمشق، وأحياء جنوب دمشق ومخيم اليرموك الذي تسكنه أغلبية من اللاجئين الفلسطينيين، وبلغ هذا التوحش مداه في الأشهر الستة الأولى من العام 2014 على نحو ما وثق كثير من منظمات حقوق الإنسان، ونشرت بعض حقائقه في التقارير الدولية.
وذهب نظام الأسد في قتله السوريين للأبعد عبر استخدام سلاح الجو في هجمات الطائرات الحربية وطائرات الهيلوكوبتر على التجمعات السكانية، التي لم تكتفِ بالقصف الصاروخي، إنما أضافت اليه رمي البراميل المتفجرة، التي تمثل تجربة إجرامية مبتكرة في عمليات القتل الكيفي عبر التدمير العام للمباني والمنشآت على رؤوس ساكنيها من جهة وفي القتل الفردي عبر الشظايا من جهة أخرى، وكانت مدينة حلب وريفها أكثر المناطق التي تعرضت لهذا الأسلوب من القتل في العام الأخير.
ولم يكن تفنن نظام الأسد الناتج الوحيد لقتل السوريين، إنما انضم اليه نشاط جماعات التطرف وبخاصة اخوات القاعدة من الدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش» وجبهة النصرة، التي لم تكتفِ بأساليب القتل التقليدي، إنما أضافت اليه عمليات الإعدام والرجم، التي سعت لإعطائها طابعاً شرعياً بسبب ما قيل إنه مخالفات لـ«الشريعة الإسلامية» أو تجاوز لحدودها، بخلاف ما هو معروف عن الإسلام بأنه دين تسامح وسلام، لا دين قتل وإجرام.
وأضافت التشكيلات المسلحة والعصابات الإجرامية، التي تزايدت في ظل غياب القانون وتعميم الفوضى، أسلوباً جديداً في قتل السوريين من خلال الاشتباكات في ما بينها، ومحاولتها فرض سيطرتها وسلطتها وتنافسها في الاستيلاء على بعض المنطق قتل كثير من السوريين في مناطق الصراع وأغلبها في المناطق الخارجة عن سيطرة نظام الأسد.
ولم يسلم السوريون من القتل في البلدان التي لجأوا اليها وسط ظروف شديدة الصعوبة والقسوة، كما حدث في مخيم الزعتري بالأردن مراراً بسبب ما قيل أنه محاولات تمرد وفوضى وعلى الساحل المصري نتيجة سعي بعضهم لهجرة غير شرعية من هناك نحو أوروبا، وقد بلغ قتل السوريين في لبنان مداه، حيث لم تكتفِ ميليشيات حزب الله بما قامت من قتل في الأراضي السورية هي والميليشيات العراقية، إنما قامت ميليشيات حزب الله ومن يماثلها من ميليشيات وسط حملة عنصرية بهجمات متعددة على تجمعات اللاجئين السوريين في لبنان، وانضم اليها الجيش اللبناني ليكون واجهة الهجوم الأخير على منطقة عرسال قرب الحدود السورية، حيث حرقت مخيمات، وقتل وجرح مئات من اللاجئين بينهم كثير من النساء والأطفال في الأسبوع الماضي.
عمليات القتل الرخيص والسهل وقليل الكلفة، بالأدوات المختلفة وطوال ثلاثة أعوام ونصف العام، أدت لموت قرابة مليون سوري وفق التقديرات موزعين على نساء وأطفال ورجال من مختلف الإعمار وبخاصة الشباب، وتمثل بتفاصليها واحدة من أبشع الجرائم في التاريخ الإنساني، والأبشع من ذلك أنها تمت تحت سمع وبصر العالم بالأقل من ردات الفعل وسط غياب أو نوم الضمير العالمي، لقد آن الأوان من أجل موقف إنساني ودولي جدي يوقف حالة الموت السوري، فهل يفعلها عالم اليوم؟.