احد ابرز الجوانب من الرسالة التي وجهها النظام السوري عبر انتخاباته التي نظمها في لبنان، وفق قراءة مصادر معنية، يفيد بان النظام يعلن بوضوح ان لديه عددا كبيرا من المؤيدين في لبنان، على غير ما يعتقد اللبنانيون وسواهم من ان اللاجئين هم من هجروا سوريا لانهم يؤيدون المعارضة او ينتمون اليها ويخافون على حياتهم اذا بقوا فيها. وهذه الرسالة يفترض ان تؤدي من حيث المبدأ الى ان لا مفر امام لبنان ازاء البحث في حل لمشكلة اللاجئين الموجودين على ارضه من التحدث مع النظام على نحو يوحي بأن عمل اللجنة الوزارية او سواها على هذا الصعيد لا طائل منه. فالنظام الذي رغب منذ زمن الحكومة السابقة، ان ينشىء لجانا للبحث في الموضوع، اكان الامر يتعلق بانشاء مخيمات للاجئين من الجانب الحدودي في سوريا او في مناطق حيادية نسبيا بين لبنان وسوريا، كان يسعى الى محادثات مشتركة مع لبنان تعيد اليه حيثيته في عز الضغوط الدولية والعزلة التي يواجهها، بحيث تؤدي هذه المحادثات الى البحث في امور سياسية اخرى وتوريط لبنان في محادثات مشتركة ابعد مدى. لكن الحكومة السابقة رفضت هذه المقاربة وفقا لسياسة النأي بالنفس التي كانت تسير بها، ولم تشأ التحدث مع النظام في موضوع اللاجئين كما لا تستطيع هذه الحكومة. اعتماد هذه المقاربة حتى اشعار اخر عملا بمقاطعة شاملة من المجتمعين الدولي والعربي للنظام وعزله باعتبار ان الموضوع ككل يحرج لبنان ويورطه اكثر في سياسة محاور تجنبها على الصعيد الرسمي حتى الآن. ذلك علما ان بعض الدول، كما تقول هذه المصادر، ترغب في انفتاح امني على النظام وبعضها بات اكثر تقبلا لاحتمال بقائه راهنا لكن النظام بات يشعر ان في امكانه ان يشترط لاي حوار امني معه اعادة السفارات التي رحلت عن بلاده الى دمشق كشرط لا بد منه للحوار. وتكشف هذه المصادر ان بعض الاجهزة الامنية كانت توقعت ان يصل عدد المقترعين السوريين الى 120 الفا لكن اي اجراءات مناسبة لم تتخذ. كما تكشف ان ما حصل كان منظما ومدروسا بحيث ان اتصالات اجراها مسؤولو النظام مع نظرائهم اللبنانيين كشفت معرفتهم المسبقة بما يجري قبل وصول تقارير ميدانية عن العراضة الانتخابية للمسؤولين اللبنانيين. وتتوقع هذه المصادر عراضة مماثلة بنحو مئة الف من المقترعين على الحدود اللبنانية السورية يوم الانتخابات في سوريا في 3 حزيران المقبل.
الجانب الآخر من هذه الرسالة يعبر عن خشية من ان تكون العراضة التي نظمت والتي كشفت عن غالبية حاسمة من الشباب وهم افتراضيا ممن خدموا في الجيش النظامي يمكن ان يشكلوا توظيفا من جانب النظام من اجل الضغط في اتجاه معين في لبنان. كما انه من غير المستبعد الا يثير هؤلاء مشكلات كبيرة للبنان الذي لا يزال يعتبره النظام على رغم ما يواجهه في الداخل خاضعا لنفوذه او لاستعادة نفوذه عليه في شكل او في آخر. وهذه التوقعات تشكل، وفق المصادر المعنية، جانبا من القلق الذي يمكن ان يساور كثرا على الوضع في لبنان.
اذ على رغم الطمأنة التي صدرت من المسؤولين على مختلف مستوياتهم ازاء عدم احتمال تأثر استقرار الوضع الامني في لبنان نتيجة الفراغ في سدة الرئاسة الاولى، وهو اطمئنان يشاركهم فيه رؤساء البعثات الديبلوماسية العاملة في لبنان الى حد كبير، فان الخشية الخارجية كما الداخلية تتزايد على الوضع الحكومي في ضوء جملة عوامل مردها في الاساس التجاذبات السياسية بما يمكن ان يؤدي في نهاية الامر الى وضع امني قد يعود مقلقا. ذلك انه مع ان عمل الحكومة التي تسلمت صلاحيات رئيس الجمهورية دستوريا فان” التنتيع “السياسي يمكن ان يشل حركتها ويعيد الامور الى الوراء مع قرار يفترض ان يتقاسمه مجلس الوزراء مجتمعا. فكما ان تأليف الحكومة وجلوس تيار المستقبل و” حزب الله” الى طاولة مجلس الوزراء ساهما في تراجع المخاطر الامنية جنبا الى جنب مع تفكيك الشبكات الامنية واقفال المعابر على الحدود فان اهتزاز الوضع الحكومي يمكن ان يعيد قلب المعادلة على هذا الصعيد. ومع ان المخاوف الامنية تراجعت بنسبة كبيرة فانه لا يمكن استبعادها في شكل كلي وتبقى قائمة على الاقل بنسبة لا تقل عن 10 في المئة في كل وقت.
والمخاوف الخارجية على الوضع الحكومي نتيجة الفراغ هو السبب في توجيه المجتمع الدولي رسالتين على نحو جماعي، وتعبران بتلاحقهما عن موقف واحد للاسرة الدولية وعن توافق ازاء الموضوع اللبناني على رغم الخلافات التي تعصف بمواقف الدول المؤثرة من جملة مسائل حيوية عالقة. إحداهما كان البيان الذي اصدره ممثل الامين العام للامم المتحدة في لبنان ديريك بلامبلي قبل ايام قليلة ثم البيان الرئاسي الذي صدر عن مجلس الامن والذي حض فيه على انتخابات رئاسية تقصر امد الفراغ في سدة الرئاسة الاولى، كما يدعم عمل الحكومة ويعول عليها في ابقاء البلد متماسكا ومستقرا. ولعل الموقف الدولي يدرك اكثر من اللبنانيين ان مرحلة الانتظار قد تطول لجملة اعتبارات وعوامل باتت معروفة في غالبيتها فيحاول الحض على تحصين الوضع واظهار الاهتمام في الوقت الضائع.