أبدى سياسيّ مخضرم جملة ملاحظات على الطريقة التي يتمّ التعامل فيها مع الاستحقاق الرئاسي في لبنان، وكأنّه خلاف على شخص الرئيس العتيد، أو حتى على برنامجه، متجاهلةً الظروف الجيوسياسية المحيطة بالوضع اللبناني وكذلك بوضع المنطقة بأسرها.
ويشير هذا السياسي إلى أنّ قراءة الكثير من الاحداث الجارية في المنطقة، خصوصاً منذ احتلال العراق، مرتبطة بأمرَين كشفَ عنهما الرئيس الاميركي السابق جورج بوش في معرض تبريره لحربِه على بلاده الرافدين، وهما أمن إسرائيل والنفط. ومن دون هذين العاملين لا يمكن فهم السياسة الاميركية ايضاً إزاء الأزمة السورية منذ بداياتها، خصوصاً بعدما اتّضح أنّ حجم النفط والغاز المكتشفَين في المياه الاقليمية السورية واللبنانية هو حجم ترتسم من أجل الحصول عليه استراتيجيات كبرى، ناهيك عن موقف سوريا وموقعها في النزاع الدائر مع إسرائيل.
ولبنان أيضاً بات الشغل الشاغل لقوى دولية وإقليمية للسببَين نفسهما، فحجم المقاومة في لبنان وأثرها في مستقبل النزاع مع إسرائيل بات أكبر بكثير ممّا يعتقده البعض، خصوصاً أنّ القيادات العسكرية والسياسية الاسرائيلية لا تخفي قلقها من تنامي قوة حزب الله على الجبهة الشمالية الممتدة من الناقورة الى الشمال، ناهيك عن تنامي قوة المقاومة في غزّة التي تثير قلق الاسرائيليين على جبهتهم الجنوبية.
ومَن يتابع بدقّة الحوارات الخافتة الدائرة داخل إسرائيل يلا خط حجم القلق، خصوصاً من إمكانية حصول تطوّرات ميدانية نوعية تصيب الأمن الاسرائيلي في الصميم، لا سيّما هذه الحركة الاسرائيلية المستمرّة على الجبهة مع لبنان، وربّما الجولان، والتي تسعى إلى التأكّد من عدم وجود أنفاق يحفرها مقاتلو حزب الله من داخل الحدود اللبنانية ليخرجوا في يوم ما في قلب المستعمرات الاسرائيلية في الشمال، بالإضافة الى أنفاق بدأ الاسرائيليون يكتشفونها على جبهتهم مع غزّة، والتي في حال وجود تنسيق جدّي بين المقاومة في لبنان والمقاومة في فلسطين فإنّ إسرائيل ستجد نفسها أمام مشهد بالغ الخطورة، وأنّ الأمر لن ينحصر على هاتين الجبهتين بتبادل القصف الصاروخي الذي شكّل ردعاً جدّياً أمام إمكانيات شنّ حرب اسرائيلية على هاتين الجبهتين.
ويضيف هذا السياسي المخضرم أنّ كثيرين يعتقدون بأنّ الحملة على حزب الله سببُها علاقة هذا الحزب الوثيقة بإيران وسوريا، فيما الحقيقة أنّ المشكلة الاميركية والغربية مع إيران وسوريا هي في دعمهما المقاومة في لبنان وفلسطين. ولقد أضِيف الى هذا العامل، للاهتمام الاستثنائي بلبنان، اكتشافُ آبار النفط والغاز الممتدّة من شمال لبنان الى جنوبه.
وفي هذا الإطار يعتقد السياسي نفسه، أنّ الغزل الاميركي مع رئيس تكتّل «التغيير والاصلاح» النائب ميشال عون نابعٌ أصلاً من تقدير مقدّراته من خلال علاقته المتينة بحزب الله، وكذلك من خلال علاقة وزرائه بملف النفط، حيث تتردّد معلومات مفادُها انّ الوزير السابق للنفط ووزير الخارجية الحالي جبران باسيل قد نجح في السنوات الاخيرة في إقامة علاقات مع شركات اميركية وغير اميركية تقوم على احترام المصالح المتبادلة اللبنانية ـ الاميركية واللبنانية – الاقليمية والدولية.
كذلك، يعتقد هذا السياسي المخضرم، انّ الغزل الاميركي مع عون قد يفيد في البناء على علاقته بحزب الله بغية إقناع الحزب باعتماد استراتيجية دفاعية تُبقي دورَه في الإطار الدفاعي، أو خلق نزاع بينه وبين حليفه الاستراتيجي العماد عون على نحو ينزع دعم الشريحة التي يمثّلها الأخير لحزب الله، وهو دعم له أهمّية سياسية فائقة لأنّه يتجاوز حدود البيئة الاساسية التي يرتكز إليها الحزب.
فأيّ تحليل لمسار الأمور في الاستحقاق الرئاسي يجب أن يُبقي أمامه هذين العاملين الاساسيّين، أي النفط والمقاومة في تحديد وجهة هذا المسار. فلبنان إذاً لم يعد خارج هذين العاملين اللذين يتحكّمان منذ زمن بالاستراتيجية الاميركية واستراتيجيات الدول في المنطقة والعالم، لا بل، حسب هذا السياسي المخضرم، فإنّ المقاومة قد أصبحَت كذلك قوّة مؤثّرة في مستقبل المخزون النفطي والغازي اللبناني، فهي قادرة من جهة على حمايته، وقادرة على منع أيّ استغلال له خارج ما تراه مصلحة وطنية للبنان من جهة ثانية.
ويضيف السياسي المخضرم أنّ وراء عملية بَيع الشركات الاميركية حصّتها في النفط والغاز على شواطئ فلسطين المحتلة لمصلحة شركات روسية رغبةً أميركية في إشراك الروس معهم في حماية عمليات استخراج النفط بسبب ما تمتلكه موسكو من علاقات جيّدة مع ايران وسوريا وحليفهما اللبناني حزب الله.
وفي ضوء هذا التحليل الجيو استراتيجي، يعتقد السياسي المخضرم إيّاه، أنّ إنجاز الاستحقاق الرئاسي قد يحتاج وقتاً يتجاوز المهل الدستورية المعروفة، وقد يتأخّر التوافق عليه الى زمن تنتظم خلاله عملية تقاسم المصالح الدولية والاقليمية والمحلية في لبنان، وهو أمرٌ، ولو قَطعَ حسب السياسي شوطاً مهمّاً، خصوصاً مع التقارب الاميركي ـ الايراني والسعودي ـ الايراني، إلّا أنّه لم يصل الى النهايات المرجوّة.
وهنا ينبّه هذا السياسي المخضرم الى انّ موسكو ليست مستعجلة في إبرام تسويات مع واشنطن حول قضايا المنطقة لاعتقادها انّ موازين القوى تسير لمصلحة روسيا، ولغير مصلحة الغرب، وبالتالي فإنّ قليلاً من الصبر، وهو ميزة روسية وايرانية في آن، سيسمح بأن تكون ايّ تسوية «طابشة» لمصلحة موسكو وحلفائها.
ويدعو السياسي نفسه الى قراءة ما يجري في اوكرانيا التي ظنّت واشنطن انّها قد تحوّلها مستنقعاً تغرق فيه روسيا على غرار ما حصلَ لها في افغانستان، فإذا بالحنكة والصبر الروسيّين يستوعبان الهجمة الغربية في اوكرانيا ويحولانها مأزقاً لواشنطن وحلفائها الاوروبيين وزيادة للشرخ بين واشنطن وبرلين تحديداً، وهو ما كشفت عنه زيارة المستشارة الالمانية انجيلا ميركل للعاصمة الاميركية وإعلانها الصريح عن تباين في النظرة الى الازمة الاوكرانية. فبدلاً من ان تتصدّع الجبهة الروسية من جرّاء تلك الأزمة، فقد بدأ التصدّع داخل المعسكر الغربي نفسه، خصوصاً أنّ المانيا بشركاتها الكبرى لها مصلحة في بقاء العلاقات جيّدة مع موسكو، كذلك فإنّها غير مستعدّة لتحمّل أعباء غرب أوكرانيا الفقير اصلاً من النواحي الاقتصادية والمالية.
لذلك يدعو السياسي نفسه الى قراءة اكثر شمولية للتطوّرات في لبنان، وكذلك في سوريا، في ضوء المستجدّات الاقليمية والدولية. ويعتقد أنّ الامور تسير في أحد اتّجاهين، إمّا أن يكون عون الرئيس الأوفر حظاً، أو الناخب الاكثر تأثيراً في اختيار الرئيس الجديد.
