Site icon IMLebanon

النواب العونيّون للراعي: همُّنا المناورة ولن نحضر جلسة الغد

عاليةٌ هي النبرة التي يتحدّث بها البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، فيوجّه انتقادات لاذعة إلى النوّاب المعطلين انتخابَ رئيس الجمهورية، لكن على حدّ قول أحد المطارنة: «على مَن تقرأ مزاميرك يا داود؟».

يتوجّه الراعي إلى النواب المقاطعين من تكتّل «التغيير والإصلاح» والكُتل المقاطعة، بعبارات قويّة لحَضّهم على القيام بأبسط واجباتهم، ويتَّهم كلّ نائب لا يؤمّن نصاب انتخاب الرئيس بخيانة وظيفته، وعدم قدرته على التحرّر من كتلته، إضافةً إلى اغتيال رئاسة الجمهورية.

لو كان الراعي، بطريركاً في زمن الرئيس كميل شمعون، والعميد ريمون ادّه، والشيخ بيار الجميّل، لما كان عاش كلّ هذه المعاناة، لأنّ النائب في ذلك الزمن الجميل من حقبة المارونية السياسة، كان مسؤولاً ويعرف واجباته جيّداً، ويبلغ مستوى معيّناً من الإدراك السياسي والتحرّر. والزعماء المذكورون لم يكونوا بحاجة الى من يذكّرهم بواجباتهم، وعلى رغم أنّ كلّ واحد منهم كان مشروع رئيس، إلّا أنّه كان يتخلّى عن حلمه الرئاسي للأوفر حظّاً.

أمّا الآن، فقد اختلفت الأحوال، وبات الزمن الجميل زمنَ كوابيس. فالمسيحيون الذين أعطوا تكتّل «التغيير والإصلاح» غالبية نيابية في أقضية جبل لبنان المسيحية، ينظرون إلى أفعال نوّابهم «المقطعجيّة» بعين التعجّب. وإذا كان الشعب المسيحي يسمع كلام البطريرك ويتأثّر، فكيف هي حال نوّابه؟

تكفي عيِّنةٌ بسيطة من هؤلاء النواب، ليتَّضح للشعب أنّ كلام البطريرك لا يؤثّر فيهم مهما رفع صوته عالياً، فمِن كسروان «التجمّع الأكبر للموارنة، وعمقهم الإستراتيجي، ومزار سيّدة حريصا، وتمركز المؤسّسات المارونية والرهبانيات»، لا يعطي ممثّلوها في الندوة البرلمانية جواباً يشفي غليل الموارنة وبطريركهم، ويحاولون «اللفّ والدوران قدر الإمكان»، حيث يقول النائب يوسف خليل لـ«الجمهوريّة»، إنّ «تفسيرات الديموقراطية كثيرة، ومن ضمنها حقّ النوّاب في مقاطعة الجلسات».

ويضيف تعليقاً على كلام الراعي: «من يُرِد تطبيق الديموقراطية فعليه تحمُّل حسناتها وسلبياتها، فسيّدنا يتكلّم عن توجّه عام، ونقدّر محبتَه للبنان، لكنّنا كرجال سياسة نقدّر الظرف ونعمل على أساسه».

لا يملك خليل جواباً عن دعوة النوّاب إلى التحرّر من الكُتل، «إذ يعتبر أنّ في كلّ بلدان العالم تكتّلات برلمانية، والنائب لا يمكنه الخروج عن رأي كتلته، لأنّه «يخربط» انتظام العمل العام».

خاض «التيار الوطني الحرّ» الانتخابات على أساس طائفي متذرّعاً باستعادة حقوق المسيحيين، وعند سؤال نائب كسروان الماروني عن مقاطعته ونسفِه لانتخاب الرئيس الماروني، يجيب خليل: «أنا نائب عن الأمّة اللبنانية وليس عن الموارنة، والفراغ الرئاسي له أسباب داخلية وخارجية علينا معالجتها»، ويسأل الراعي: «ألم نتّفق عندك يا سيّدنا أن يكون الرئيس الجديد من بين الزعماء الموارنة الأربعة، أين أصبح هذا الاتفاق؟ ولماذا لم ينفّذ؟». ويؤكّد أنّه كنائب «يعمل في السياسة، ولا أنزل بعفوية وبراءة لانتخاب رئيس، لأننا نملك حسابات سياسية».

من كسروان إلى المتن، القضاء المسيحي الأكبر بعدد نوّابه، ومساحته وديموغرافيته. هنا، لا يختلف رأي نوّابه العونيّين عن نواب كسروان، إذ يقول النائب سليم سلهب لـ«الجمهورية»، إنّ «كلام البطريرك ليس جديداً، ويكرّره كلّ يوم، فالراعي يتكلّم وطنياً، بينما نحن نعمل سياسياً ونُناور»، ويجزم بأنّ «الشعب يعاقبنا وليس أيّ شخص آخر، والانتخابات قريبة، وإذا وجد الشعب خطورةً في مناورتنا وضرَراً على المسيحيين، فلن ينتخبنا»، مشيراً إلى «عدم وجود حلحلة تسمح لنوّاب التكتّل بالنزول إلى جلسة 23 تمّوز».

تُستكمل الرحلة إلى قضاء بعبدا، حيث يُفترض على نوّابه أن يكونوا حُماة القصر، بحكم وجوده ضمن سلطتهم التمثيلية، لكنّ البطريرك لم يكن مخطئاً عندما أشار إلى أنّ النوّاب لا يمكنهم التحرّر من كتلِهم. وفي هذا السياق، يوضح النائب ألان عون لـ«الجمهورية»، «أنّنا لسنا مختلفين مع البطريرك على مَلء الشغور الرئاسي، لكنّنا نريد رفعَ التمثيل المسيحي، والراعي يتمنّى الأمرين معاً، واللعبة هي لعبة «عضّ أصابع» ومن يقول «أخّ» أوّلاً».

يُقلّل عون من خطورة الفراغ الذي يُحذّر منه البطريرك، «بحجّة تأمين الرئيس الأقوى مسيحيّاً»، ويرى أنّهم «في معركتهم هذه سيحسّنون مواصفات الرئيس».

لكن بعد فراغ قصر بعبدا في 25 أيار، بات المسيحيون يتمنّون رئيساً، وليس كما كانوا يريدونه قبل هذا التاريخ، وذلك بفضل الإمعان في إفراغ القصر، وهنا نسأل عون عن تداعيات سياستهم التي أوصلت المسيحيين إلى القبول برئيس كيفما كان، فيكرّر جوابه: «إنّها لعبة عضّ أصابع، ومن يستسلم ويتعب أوّلاً». وهل الراعي استسلمَ، يجيب: «البطريرك يريد مَلء الفراغ، لكنّ شدّ الحبال سيطول، وعلينا الصمود».

مهما نادى بطريرك الموارنة، فإنّ نداءاته لا تصل إلى نوّاب الموارنة العونيّين، لذلك، يجب على الشعب محاسبتهم، لكنّ المشكلة أن لا انتخابات نيابية قريبة.