Site icon IMLebanon

«الهولوكوست» الفلسطيني

إحراق البشر وهم على قيد الحياة له معنى مهم في التاريخ اليهودي وفي تاريخ قيام دولة اسرائيل. فـ «المحرقة» بالنسبة الى الدولة العبرية هي بمثابة العَلَم أو النشيد الوطني. وهي طبعاً أهم أساس تستند اليه الدعاية الاسرائيلية لتبرير قيامها وللمطالبة بالدعم الدولي لبقائها كـ «دولة يهودية»، لتحمي يهود العالم، كما تقول، من احتمال تكرار «الهولوكوست»، وتمنحهم جنسيتها بصورة تلقائية.

بهذا المعنى يأخذ إحراق جسد الفتى الفلسطيني محمد أبو خضير على يد مجموعة من المجرمين اليهود معنى مضاعفاً. ففوق انها جريمة قتل متفوقة في الوحشية، لناحية التمثيل في جثة الشاب قبل قتله، فهي ايضاً تكاد تمحو عن ادولف هتلر والنازيين العار الذي لحق بهم بسبب جرائمهم. اذ من الذي سيجرؤ من اليهود بعد اليوم ان يعتبر أنهم هم وحدهم ضحايا الحرق لأسباب عنصرية، بعد أن نقل اليهود المتطرفون معركة إزالة الهوية الفلسطينية الى مرحلة جديدة، هي مرحلة «الهولوكوست الفلسطيني».

لم تتردد الشرطة الاسرائيلية في ان تصف جريمة قتل محمد أبو خضير كما تراها. فهو لم يُقتل «لدوافع جرمية او اخلاقية»، كما قالت في تقريرها، بل تم قتله «بدوافع وطنية» (nationalistic). وهكذا فإذا كان المجرمون الستة الذين ارتكبوا هذه الجريمة بحاجة الى اسباب تخفيفية، فها هي الاسباب جاءتهم من تقرير الشرطة نفسه. انه عمل «وطني»، يكاد يستحق وساماً وليس محاكمة او ادانة!

ماذ يعني بعد هذا ان يتصل بنيامين نتانياهو بوالد محمد ليبلغه «صدمته وصدمة أبناء إسرائيل للجريمة الخسيسة»، وتوعّده بمحاكمة القتلة وتطبيق القانون «بحذافيره»؟ وأي قانون سيطبق نتانياهو: قانون دولة اسرائيل، الذي قالت والدة محمد انها لا تأمل منه أي شيء، لأنه لا يحمي إلا اليهود، فلو كان الفلسطينيون هم الذين ارتكبوا جريمة القتل هذه، لكانت بيوتهم وبيوت أهلهم الآن ركاماً.

يقول الاسرائيليون في مجال تبرير جريمة قتل محمد أبو خضير انها رد على خطف وقتل ثلاثة فتية يهود كانوا يقيمون في إحدى المستوطنات قرب مدينة الخليل. حسناً، دعونا ننسى لفترة ان هؤلاء مستوطنون، وان المستوطنات التي جلبهم أهلهم للإقامة فيها هي مستوطنات غير شرعية وقائمة على ارض فلسطينية، اي انها ليست ارضهم. دعونا ننسى ذلك ونتبنى ما قاله الرئيس الفلسطيني محمود عباس من أن هؤلاء الشبان «بشر» ولا يصح خطفهم وقتلهم. ولنسأل: كيف ردت اسرئيل على خطف هؤلاء ثم على العثور على جثثهم؟ اكثر من 500 فلسطيني تم اعتقالهم، اضافة الى الذين تمت اعادة اعتقالهم بعد ان أطلق سراحهم خلال عملية التبادل مع الجندي الاسرائيلي غلعاد شاليت. مع ان اسرائيل تزعم انها تعرف هوية الشخصين المسؤولين عن الخطف، وقد قامت بتدمير منزليهما. اضافة الى ذلك نفذ الجيش الاسرائيلي عشرات الغارات على قطاع غزة حصدت الى الآن ما لا يقل عن عشرين فلسطينياً. وفوق كل ذلك جاء الانتقام من ابن عم محمد أبو خضير لأنه ارتكب «جريمة» التواجد في المكان الذي قتل فيه نسيبه، ولو لم يصادف ان هذا الفتى يحمل الجنسية الاميركية، لكان مصيره اليوم مثل مصير ابن عمه.

في مقابل ذلك، ماذا فعل القانون الاسرائيلي بالذين قتلوا محمد أبو خضير، على رغم اعترافهم بارتكاب الجريمة؟ خمسة منهم تم اعتقالهم لثمانية ايام والسادس لخمسة ايام. واذا وصل الامر الى مرحلة المحاكمة، فان تقرير الشرطة الذي يمنحهم اسباباً تخفيفية، بعد ان اعتبر جريمتهم انتقامية، سيوفر لهم ما يحتاجون من ذرائع.

لم يكن الفلسطينيون في اسرائيل بحاجة الى هذه الجريمة ليكتشفوا ان القوانين الاسرائيلية موضوعة لحماية اليهود وحدهم، وان دعاية المساواة في المواطنة بين اليهود والعرب ليست سوى كذبة لم تعد تخدع احداً، حتى في الدول الغربية الحليفة لاسرائيل.