Site icon IMLebanon

الورقة البيضاء

 

حصدت «الأوراق البيضاء» أكثرية أصوات النواب في الجلسة الأولى التي كانت مخصصة لانتخاب رئيس الجمهورية المقبل. إلا أنها لم تفز بالرئاسة التي استمرت تنتظر كتابة أسماء على تلك الأوراق لولادة صاحب الفخامة. فما هي تلك الأوراق التي يساهم أصحابها باستكمال نصاب جلسة الانتخاب، ولا يعترف بفعاليتها وتأثيرها الإيجابي عند فرز الأصوات عملاً بالنظام الداخلي لمجلس النواب؟.

يمكن التمييز بين حالتين يمكن أن تظهر بهما الورقة البيضاء، الأولى عندما يكون الاقتراع، أو أي عملية مشابهة، محصوراً بين أسماء يتوجب عليها تقديم رغبتها بالترشح قبل وقت معين. فالورقة البيضاء في مثل هذه الحالة تعني ان صاحب الورقة لا يؤيد أياً من تلك الأسماء، وتقتضي الموضوعية هنا ان يكون للأوراق البيضاء تأثير وقيمة في حال كان عددها يصل إلى عدد الأصوات المطلوبة للفوز. فإذا كان المرشح يعتبر فائزاً بأكثرية 65 صوتاً مثلاً وكان مجموع الأوراق البيضاء أكثر من هذا العدد، أو مساوياً له، فالورقة البيضاء في مثل هذه الحالة تعني رفض الأكثرية النيابية لأي من الأسماء المرشحة، وبهذا يمكن استنباط علاقة أو تبرير لحضور النائب الجلسة من دون ان يختار اسم مرشح مدرج مسبقاً على لائحة المرشحين، لأن الورقة هنا تتحول إلى استفتاء يقضي بمنع تلك الأسماء من الترشح مجدداً.

هنا يمكن التمييز بين استحقاق انتخابي يتطلب شروطاً محددة يعمل بها المرشح قبل موعد معين، وبين استحقاق لا يتطلب ذلك بحيث يبقى متاحاً لمن يريد حتى لحظة الانتخابات، كما في انتخاب رئيس الجمهورية. ففي مثل هذه الحالة تأخذ الورقة البيضاء طابعاً آخر. فعملية الاقتراع المحرر من الترشح المسبق يعني ان النائب يستطيع اختيار أي لبناني. ولهذا فإن الورقة البيضاء تعني عملياً ان النائب لا يرى ان هناك من يستحق ان يكون رئيساً، ليس فقط من الأسماء التي تكون مطروحة أو المتداولة، إنما من كل اللبنانيين، وفي هذا ظلم لشعب، ولنقل ولو لعدد منه حتى وإن كان لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة.

إن مشاركة النائب في جلسة اقتراع والمساهمة في إكمال نصابها، تعنيان ان هناك غاية وهدفاً لحضوره، خصوصاً انه يمكن ان يتغيب إذا ما أراد ذلك، فلماذا يحضر إذا كان سيقترع بورقة بيضاء وهذه الورقة لا فعالية لها؟ من هنا يجب ربط الحضور بما يمكن ان يؤثر في النتيجة، وفي حال كان قرار النائب بالاقتراع بورقة بيضاء يكون قد قرر مسبقاً ان حضوره سيكون من دون نتيجة.

والتصويت بالورقة البيضاء يختلف في مفاهيمه عن الامتناع عن التصويت. فالامتناع يكون عادة في تصويت شفهي، أي لا يحتاج لصندوقة اقتراع، وقد يكون الممتنع قد ساوى بين الأمور والبدائل المطروحة بحيث لا يرى مفاضلة بين هذه أو تلك، وعندها «لا يحمّل ذمته» وهو الممثل للشعب فيمتنع عن التصويت. ولهذا فإن مشاركة الممتنع في الجلسة تعكس موقفاً يختصر بعدم القدرة على الاختيار وفق المعطيات التي تكون بارزة أمامه. أما الورقة البيضاء في استحقاق انتخاب رئيس الجمهورية فإنها مختلفة، إذ إن خيار النائب مطلق ومفتوح لا تحده حالة أو أسماء، بعكس التصويت الشفهي الذي يكون محدداً بالرفض أو القبول.

إن هذه القراءة لا تلغي فعالية ما جاء في النظام الداخلي لمجلس النواب ولا تحد من إلزامية ما جاء به لجهة اعتبار الأوراق البيضاء «لا تدخل في حساب الأغلبية»، وإن كان يمكن ان تستحق مناقشة ما يمكن ان يبنى على الشيء مقتضاه.