لا تبدو المرحلة الراهنة للترقّب والانتظار بالنسبة للتيّار الوطني الحرّ، رغم أنّها كذلك بالنسبة لاحزاب وتيّارات أخرى، لأنّه يُدرك تماماً أنّه يسير على الخط الصحيح الذي سيوصله في نهاية المطاف الى تحقيق حلمه بإعادة بناء الدولة على أسس قوية. أمّا كلّ الأقاويل التي تُشاع في الصحف عن تراجع، أو خسارة فلا أساس لها من الصحة، بحسب مصدر سياسي في التيّار تحدّث عن الوضع الحالي ربطاً بكلّ ما يجري في المنطقة والعالم.
وبرأيه، أنّ ثمة أجواء تشير الى أنّ المنطقة سائرة الى تسويات كبرى خلال هذا العام، وهذه التسويات تمرّ بإعادة ترتيب البيت اللبناني وإعادة بناء الدولة على أسس متينة. وهذا الأمر يمرّ من خلال إحياء التوازنات الوطنية بين السنّة والشيعة والمسيحيين فضلاً عن الإبقاء على موقع الدروز محفوظاً. وما يُعمل عليه اليوم هو إيجاد ثلاثة رؤساء أقوياء: رئيس مجلس النواب واضح موقف الثنائي الشيعي منه بالنسبة للإبقاء على الرئيس نبيه برّي، وسعد الحريري كأقوى سنّي رئيساً للحكومة، والعماد ميشال عون الذي يمثّل الغالبية المسيحية رئيساً للجمهورية. وثمة قناعة مشتركة أنّ هذا الثالوث هو الركيزة للوصول الى هذه الأسس المتينة.
وعن الأجواء بين «التيار الوطني الحرّ» والرئيس سعد الحريري بعد كلّ ما جرى لا سيما وأنّنا دخلنا في مرحلة الشغور الرئاسي، قال المصدر: «منذ أكثر من شهرين يبدو التواصل مع الرئيس الحريري بمنتهى الإيجابية، ولكنه يقول «طولوا بالكن علي شوي». فللحريري مشاكل عدّة في الداخل ليس مع رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع فقط، بل أيضاً مع الرئيس السنيورة الذي يراهن على لعب دور في 14 آذار، وإذا عاد الحريري الى السلطة والى رئاسة تيّاره ينتهي دوره. أمّا جعجع فإذا أصبح العماد عون رئيساً للجمهورية واتفق مع الحريري، فإنّ دوره بالتالي سوف يتقلّص الى أقصى الحدود لا سيما وسط هذه التحوّلات الكبرى الحاصلة في المنطقة وسوريا وإيران. إذاً للحريري «عالكتف حمّال»، كما يُقال، في الداخل، وإقليمياً، لديه السعودي الذي يقول له «طوّل بالك»، لأنّه داخل في البازار ويريد أن يُثمّره في التفاوض مع إيران».
وعن إمكانية عدم رضى السعودية عن التقارب الحاصل بين «التيار» والحريري، على ما يُروّج البعض، أوضح المصدر نفسه أنّ السعودية هي التي أعطت أساساً الضوء الأخضر من خلال السياق الآتي: حصل مسعى في أواخر الصيف الماضي إذ جمع الوزير حسن خليل، السفير السعودي علي عواض عسيري مع الوزير جبران باسيل في منزله في اليرزة في حضور مجموعة من الشخصيات وجرى غسل القلوب. كانت بداية الحوار مع السعودية، بعدها قام باسيل بزيارة الى السفارة السعودية ثم زار عسيري الرابية، وحصل الحوار والتفاهم وفتح الابواب والحديث عن تنمية هذه الأمور.
في الوقت نفسه، يضيف المصدر يتبع العماد عون سياسة الإنفتاح على الجميع، وقد بدأ أولاً من الخصومة مع النظام السوري إذ كان يقول للسوريين «انسحبوا من لبنان ونحن مستعدون لأن نبني معكم أفضل العلاقات» لأنّ فيها مصلحة وطنية. ونحن نقول اليوم إنّ مصلحتنا الوطنية تقضي ببناء شراكة حقيقية يُشارك فيها السنة والشيعة والمسيحيون والدروز طبعاً. واليوم أكثر من أي وقت مضى لسنا قادرين على إعادة بناء دولة بدون تفاهم سياسي.
ولفت الى أنّ «هذا الثالوث الذي قام عليه توزيع المناصب بالدولة منذ العام 1943، أو ما يُسمى بـ «ميثاق 1943» الذي حدّد الماروني لرئاسة الجمهورية والشيعي لرئاسة المجلس والسني لرئاسة الحكومة، قد تمّت المحافظة عليه في «اتفاق الطائف» مع المناصفة بالتمثيل في الحكم، ولكن على صعيد الأدوار يجب الالتزام بتوزيع السلطة بهذه الطريقة. وما حصل أنه خلال تطبيق الطائف في العشرين سنة الأولى، تمّ تهميش المسيحيين وجاءت رئاسة الحكومة وصادرت الكثير من الصلاحيات فجوّفوا الوزارات وخلقوا أجهزة رديفة ووضعوها تحت سلطة رئيس الحكومة مباشرة بما في ذلك أجهزة الرقابة التي أصبحت تحت سلطته، واصبحوا يختارون للمسيحيين نوابهم ووزراءهم والخ»…
أمّا اليوم، على ما أضاف المصدر في التيار إنّ هذا الوضع بالنسبة لرئاسة الجمهورية لا يمكن أن يستمر، فنحن بتنا بحاجة الى توازن في المنطقة التي أصبحت منقسمة، وقد قام الأميركيون بفرزها. هناك محور يغلب عليه الطابع الشيعي، وآخر يغلب عليه الطابع السني وبينهما هناك المسيحيون والدروز كذلك. ولا يمكن بالتالي إعادة تكوين لبنان بخلق تحالف مسيحي- شيعي ضد السنّة، ولا يمكن إقامة تحالف سني- مسيحي ضد الشيعي، ليس لدينا من خيار لإعادة بناء البلد إلا بهذا الثالوث لتوزيع السلطة، وليس بالمثالثة أي بتوزيع الحصص. هذا الثالوث موجود ونحن نريد التصحيح.
وعن موقف السعودية والولايات المتحدة الأميركية من إعادة بناء لبنان، شدّد على أنّه أولاً، لو لم تعطِ السعودية الضوء الأخضر للحريري، لما كان دخل بحوار مع عون. ثانياً، لقد شكّلنا الحكومة معهم، ولو لم يقم العماد عون بهذه المبادرة لما تشكلت. سرنا في سياسة الإنفتاح في أعقاب الخلوة التي عقدها «تكتّل التغيير والإصلاح»، وانفتحنا على الجميع، وذهبنا في إطار الحوار بين الحريري والعماد عون في روما، ثمّ تعاقبت الزيارات والاتصالات، وثمة خط ساخن بينهما مفتوح بشكل يومي. إذاً السكة مفتوحة ولم يشبها أي شائبة حتى الساعة. وقد أنجزت الحكومة حتى الآن بعمرها القصير أمورا هائلة عدّة على صعيد وزارة الخارجية أو سواها. نحن نسير على السكّة وحتى اليوم ليس لدينا أي مؤشر أو معطى يجعلنا نقول إنّه ثمة إعادة نظر. ونحن نعيش بجوّ أنّه ليس من انتخاب رئيس للجمهورية ما لم يحصل التوافق على العماد عون.
وعمّا ينتظر «التيّار» اليوم ما دام يُكمل سيره في الاتجاه الصحيح، يجيب: «كنا نتمنى ألا ننتظر شيئاً بل أن نُحكّم العقل والضمير كلنا. وإذا كان غيرنا يريد انتظار بعض المؤشرات فماشي الحال، هناك استحقاقات موجودة في المنطقة، الأول حصل إذ تمّ انتخاب الرئيس السوري. وثانياً، انتخاب السيسي في مصر، والمالكي أُعيد بالأكثرية في العراق، وهناك الملف النووي الإيراني وسيجري توقيع الاتفاق الإيراني- الغربي أي بين إيران والدول الخمسة زائد واحد، بأقصى حدّ في أواخر العام الحالي (2014) فضلاً عن انسحاب أميركا من أفغانستان حيث هي بحاجة الى تعاون إيران لكي تستطيع إتمامه بشكل هادىء.
من جهة ثانية، لفت المصدر في التيار الى أنّ السعودية ترتّب البت الداخلي وقضية انتقال السلطة فيها وإعادة رسم موقعها في المنطقة، الى جانب ترتيب أوضاعها مع إيران. وثمّة نقطتان مهمتان في هذا الإطار: أولاً، توجيه الدعوة لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الى السعودية، وفي انتظار أن تتمّ هذه الزيارة، قام أمير الكويت بزيارة الى طهران.. كلّ هذه المعطيات تُشكّل منعطفاً أساسياً، ما يجعل الأمور سائرة جيداً وقد تجد طريقها الى الحلّ خلال شهر أو شهرين.
وفيما يتعلّق باتهام «التيّار» بتعطيل انتخاب الرئيس، قال: «أمّنا النصاب في الجلسة الاولى وقد تجاوز عدد الحضور الـ 86 نائباً المطلوبين، وحصل التصويت فنال جعجع 48 صوتاً، 7 انتخبوا الموتى، 52 ورقة بيضاء و16 هنري حلو. وفي توزيع كهذا فإنّ 52 زائد 7 تساوي 59، هذا تكتّل مقابل 48 من جهة، و الـ 16 صوتاً من جهة ثانية، ولا أي مجموعة منها تُشكّل الـ 65 في المئة، وتنجّح رئيس في الدورة الثانية. لهذا لم يكن من مجال لحضور جلسات أخرى لأنّها اعتبرت بمثابة مضيعة للوقت».
وأكّد المصدر نفسه، بحسب المعلومات الأكيدة، «نحن قادرون على تأمين الـ 65 صوتاً، لكن العماد عون لا يريد عدم دخول السنّي معه في الحكم انطلاقاً من إعادة بناء الدولة القوية. أمّا الدول الخارجية، فاليوم هي أكثر من أي وقت مضى، تريد لبنان قوياً لا سيما مع وجود الموارد النفطية الموعودة من جهة، ولأنّها جرّبت ضرب المقاومة مرة واثنتين وثلاثة، حتى جاء وزير الخارجية الأميركي جون كيري الى لبنان وخاطبها من هنا بالقول: تفضلي أنت وإيران وروسيا لنجد حلاً للأزمة السورية.
ويختم المصدر بالقول إنّ «هذا الوضع الذي وصلنا إليه ليس منّة من أحد، لقد فرضنا أنفسنا بقوتنا. وهذه المقاومة لا يستطيع أحد انتزاعها منا. يبقى سلاح المقاومة الذي بدوره لن نعطيه لأحد كهدية مجانية. هناك أمر واحد لقاء التخلي عنه وهو انتفاء السبب لوجوده، ومبرر وجوده ينتفي إمّا بزوال الأخطار الفعلية والجدية أو تحوّل الجيش الى قوة ردع فعلية تحلّ محلّ المقاومة. وبانتظار أن توافق الدول الغربية على أن يصير الجيش قوة فاعلة فنحن لن نعطيكم ورقة القوة التي نملكها»