Site icon IMLebanon

انتصار السوريين مرهون بكسر المشروع الإيراني

أنهت إيران آخر ترتيباتها في الساحة السورية مع ترسيخ وجود واجهتها السياسية بشار الأسد، ومع هذا الإنجاز، ضمنت طهران تمتعها بفائض مناورة وهامش زمني يتيح لها تسوية مشروعها وتضبيط مفاصله والتفرغ لصياغته معطى نهائياً في الواقعين الإقليمي والدولي.

في المدرك الإيراني، تاريخ المشرق الشامي، وحتى الشرق أوسطي، ينتهي عند هذه الواقعة، ينتهي كتاريخ كان يدور خارج المدار الإيراني، ليبدأ تاريخ جديد تصبح إيران، بأيديولوجيتها وتوجهاتها، وحتى نمط حياة شعبها، المحرك الفعلي له، فيما يبدو وكأنه عملية ملأ فراغ لمناطق ينوي الرجل «الفارسي» إعادة تحضيرها وتوأمتها مع العصر!.

تكشف عن هذه النوايا، الآليات التي تستخدمها» الأمة» الإيرانية في زحفها المشرقي، والتي ترتكز على التشييع، كنمط ديني ثقافي، والميليشيات العسكرية، بأذرع سياسية، على نمط « حزب الله» اللبناني، أحزاب وظيفتها الظاهرية المقاومة لإسباغ شرعية وطنية عامه عليها، في حين يكون هدفها الحقيقي السيطرة على البلد بكامله وإخضاع مختلف مكوناته.

تعمل إيران بكل جدية على إنجاح مشروعها، الطويل الأمد، فالوقائع تشي بنية إيران الإقامة المديدة في المنطقة، وعلى عكس ما يتوقع بعضهم، مجرد غارة تسبق، أو تتزامن، مع مفاوضاتها مع الكبار حول ملفها النووي، وبالتالي تستخدم سورية كورقة قابلة للتساوم مع أولئك لن تلبث أن تفرج عنها، هذا النوع من التفكير ليس سوى مسكنات للوهم وزيادة الغفلة والإعفاء من التفكير بإستراتيجية مضادة للهجوم الإيراني.

الواقع يقول أن إيران ذهبت بعيدا في مشروعها السوري، حيث غيّرت كثيرا الواقع الديمغرافي في مناطق سورية عديدة، وخاصة تلك المناطق التي تقع على سكة مشروعها الممتد من البصرة شرقا حتى صور غربا، ولعلّ حمص وأريافها هي المثال الأبرز ضمن هذا المشهد، وثمة مؤشرات على ان دمشق باتت تحت العين الإيرانية ويجري إعادة هندسة ديمغرافيتها، عبر أليات عديدة، بعضها يقوم على تفريغ مناطق شاسعة مثل الجنوب الدمشقي، القريبة من مناطق السيدة زينب وتدميرها بقصد تيئيس أصحابها من الرجوع إليها، ومن تلك الآليات أيضا حملة شراء العقارات المحمومة التي تقوم بها السفارة الإيرانية لعقارات في دمشق القديمة ووسط المدينة!.

تدرك إيران أن الوقت وحده من يحدد إنجاز مشروعها، باستثناء ذلك لا عوائق أخرى تقف في طريقها، لذا تعمد إلى شراء الوقت بأي ثمن كان، وهي اشترته بانتخاب بشار الأسد، إذ يمنحها ذلك بضع سنوات إضافية تكفيها لإتمام مشروعها، صحيح ان ذلك سيكلفها إدامة حماية واجهتها السياسية تلك، بمزيد من السلاح والرجال والمال، لكن منذ متى لم تكن المشاريع الإستراتيجية البعيدة المدى مكلفة!.

على ذلك، فإن الخطر الإيراني بات يطرح جملة من التحديات على السوريين، تبدأ بقضم ثورتهم قطعة قطعه ، عبر إستراتيجيات الحصار والتشتيت وإخراج الثوار من المدن، ولا تنتهي بتغيير الهوية السورية وتحويلها إلى هوية فرعية ضمن فضاء الهوية الفارسية الذي بات يرخي بظلاله على المشرق العربي.

هذا التحدي بات يتطلب استجابة من نمط مختلف، استجابة ترتكز على الوعي الكامل بالمشروع الإيراني ومخاطره الذي ما عاد ممكنا تجاهله أو التقليل من أخطاره، وهذا التحدي يفرض على المعارضة السورية إعادة بناء قدراتها العسكرية وفعاليتها السياسية بما يتناسب وهذا التطور الخطير في الواقع السوري، وفي وقت يظهر أن القوى الكبرى التي يتطلع بعض المعارضة لإمكانية انخراطها في الحدث السوري وتعديل معطياته لصالح الثورة، لديها حساباتها القائمة على منطق استنزاف إيران في سوريا، دون الانتباه إلى حقيقة ان الوقت الذي ستستغرقه عملية استنزاف إيران يتطابق مع الوقت الذي تطلبه وتشتريه الأخيرة لترسيخ مشروعها في سوريا!.

الحل في سوريا وليس من خارجها، وهذا يتطلب تنويع جهد المعارضة وتوسيعه لتغيير نمط المواجهة الحالي الذي يقتصر على فكرة إسقاط نظام بشار الأسد، وذلك يحصل من خلال إدماج هذا الشرط ضمن إطار فكرة محاربة المشروع الإيراني برمته في سوريا، وكذا تحويل نمط المواجهة إلى ما يشبه حركة تحرر لكسر حلقات المشروع الإيراني بكل مستوياته، بدءا من تمكين سكان المناطق المستهدفة من المشروع الإيراني وعدم رضوخهم لبيع عقاراتهم، وليس انتهاء بتجديد اطر العمل العسكري وتزخيمها بعشرات الألوف من أبناء اللاجئين السوريين الراغبين بالالتحاق بالثورة، وخاصة بعد أن كشفت وقائع انتخابات السفارات في البلدان المجاورة عدم وجود أي نشاط واضح للمعارضة قي تلك البلدان.

ثمة حقيقتان تفرضان تبني إستراتيجية مواجهة جدية للمشروع الإيراني في سوريا، الأولى السمة العملية التي يتمتع بها المشروع الإيراني عبر خلق ركائز اجتماعية واقتصادية لرفد هذا المشروع، والثانية تعدد خيارات مشروع إيران وانتشارها على طيف واسع من الاحتمالات، منها، وأخطرها، الذهاب إلى تقسيم سوريا إلى دويلات عديدة.