انتهاء أزمة دار الفتوى في لبنان بحل «مجلس قباني»
توقع انتخاب خلف له في 10 أغسطس
بيروت: «الشرق الأوسط»
طوت قضية «دار الفتوى» في لبنان الصفحة الأخيرة في الخلافات المستعرة منذ سنتين، بين مفتي الجمهورية محمد رشيد قباني، والمجلس الشرعي الأعلى المحسوب عليه من جهة، والمجلس الشرعي الممدد لنفسه برئاسة الوزير السابق عمر مسقاوي، والمدعوم من رؤساء الحكومات السابقين ورئيس الحكومة الحالي تمام سلام، باستثناء الرئيس سليم الحص، من جهة أخرى.
ولقد جاءت خطوة تقديم 15 عضوا من المجلس الشرعي الأعلى المحسوب على قباني استقالتهم أمس، ليفقد «مجلس قباني» نصابه القانوني وبالتالي حله، في أعقاب معارك قانونية بين الطرفين كان آخرها دعوى مقدمة قبل عشرة أيام من قبل «المجلس الممدد له» ضد المجلس الجديد، بتهمة انتحال الصفة. وفي حين ستكون خطبة عيد الفطر المقبل بمثابة «خطبة الوداع» لقباني الذي تنتهي ولايته في 14 سبتمبر (أيلول) المقبل، فإن المباحثات بين المعنيين من الطائفة السنية قد وصلت إلى مراحل متقدمة بشأن اسم المفتي الجديد، على أن تجري الانتخابات يوم 10 أغسطس (آب) المقبل بناء على دعوة الرئيس سلام. وفي هذا الإطار أكد مصدر في المجلس الشرعي أنه، ورغم كثرة عدد الطامحين لتولي منصب المفتي، فإن «رئيس المحاكم الشرعية» الشيخ عبد اللطيف دريان هو الأكبر حظا لغاية الآن، متوقعا أن يحصل على أكبر عدد من الأصوات. وأوضح المصدر أن دريان يحظى بتأييد أكثر من 35 قاضيا من قضاة الشرع في المجلس الذين يبلغ عددهم 40. كما أنه يلقى موافقة قباني رغم أنه مدعوم من السنيورة.
هذا، وكانت السجالات بين قباني ومعارضيه قد وصلت إلى أقصاها بداية الشهر الحالي، بعد دعوة المدير العام للأوقاف الإسلامية في لبنان الشيخ هشام خليفة «مجلس الانتخاب الإسلامي» إلى انتخاب مفتٍ جديد في الـ31 من أغسطس المقبل، بناء على تعليمات قباني، في حين طالب المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى، المناوئ لقباني، سلام بصفته «رئيسا لمجلس الانتخاب الإسلامي» بدعوة المجلس بأقصى سرعة ممكنة لانتخاب مفتٍ للجمهورية اللبنانية للأسباب والمعطيات الخطيرة درءا للفتنة ووفقا للأصول القانونية»، ليعود بعدها ويحدد سلام، أول من أمس، العاشر من أغسطس موعدا لانتخاب مفتٍ جديد.
وكان المفتي قباني قد اتخذ قرارين في السابع من الشهر الحالي، يقضي الأول بسحب حق الدعوة إلى انتخاب مفتٍ من رئيس الحكومة ومنحها لمدير الأوقاف الإسلامية، في حين يقضي القرار الثاني بتوسيع الهيئة الناخبة التي تضم إضافة إلى رؤساء الحكومات السابقين والحالي قضاة شرع ووزراء ونواب الطائفة وأمناء الفتوى والمدير العام للأوقاف الإسلامية.
وبينما أشارت المعلومات إلى أن «المخرج» الذي أدى إلى استقالة أعضاء المجلس ووضع نهاية لأزمة دار الفتوى جاء نتيجة تسوية وجهود سياسية قادها رئيس الحكومة السابق ورئيس كتلة تيار المستقبل فؤاد السنيورة، بالإضافة إلى الرئيس سلام وعدد من رؤساء الحكومات السابقين، تقضي بحل المجلس المحسوب على المفتي على أن يسحب الفريق الآخر الدعاوى القضائية المقدمة ضد قباني بتهمة الفساد واختلاس الأموال، رفض عضو المجلس الشرعي الممدد له، محمد المراد، في حديث لـ«الشرق الأوسط» تسميتها بـ«التسوية»، بل قال إن «هذه الخطوة جاءت بعد نصائح أعطيت إلى أعضاء المجلس الشرعي المحسوب على قباني للإقدام على الاستقالة، لا سيما أن هناك دعوى قضائية مقدمة ضدهم أمام النيابة العامة التمييزية لتمردهم على الأحكام القضائية التي صدرت بحقهم عن مجلس شورى الدولة لجهة انتحالهم صفة أعضاء مجلس الشرع.
ولفت المراد إلى أن التحقيقات قد بدأت من قبل مدعي عام التمييز قبل يومين وستستمر في اليومين المقبلين، وعدّ أنه لم يكن أمام أعضاء المجلس الشرعي إلا قرار الاستقالة الذي قد يجنبهم الملاحقة القانونية التي قد يتعرضون إليها، مشددا على أن هدف المجلس الشرعي ليس الإساءة أو توقيف أحد، إنما الحفاظ على مقام مفتي الجمهورية.
وأوضح أنه كان قد رفع الدعوى الأخيرة بصفته الشخصية وكوكيل عن كل قانونيي المجلس الشرعي الممدد له بتهمة إساءة استعمال السلطة وعرقلة تنفيذ الأحكام وإثارة النعرات الطائفية، مضيفا: «تقدمنا بالدعوى قبل نحو عشرة أيام مرفقة بـ30 وثيقة، مستندا في ذلك على قرار مجلس شورى الدولة القاضي بإبطال دعوة قباني لانتخاب أعضاء المجلس لعدم قانونيته».
وأكد المراد أن المجلس الشرعي أخذ عهدا على نفسه بعدم الإقدام على أي خطوة إلا بالتوافق وبعيدا عن التدخلات السياسية. وشرح أن أصول الترشيح لمنصب المفتي مختلفة عن أي ترشيح آخر، وفيها «طالب الولاية لا يولى»، ولا تتطلب تقديم طلبات الترشيح، بل ينص القانون على أن يقوم أحد أعضاء المجلس بترشيح شخصية معينة ومن ثم يصار إلى تزكيته من قبل عضوين آخرين، وذلك في الموعد المحدد لإجراء الانتخابات، وليس قبل ذلك.
وحسب الأصول المتبعة ينتخب المفتي بأكثرية الثلثين من عدد أعضاء المجلس في الدورة الأولى، وإذا لم يكتمل النصاب في هذه الدورة ترجأ الجلسة إلى الساعة 11 من اليوم نفسه، بحيث تجري الانتخابات وفق نصاب النصف، ويعد فائزا من ينال الأكثرية المطلقة من الحضور المقترعين.
وللعلم، أدت أزمة دار الفتوى إلى مقاطعة واسعة للمفتي قباني من قبل رؤساء الحكومات، وتجلت بشكل واضح في عيدي الفطر والأضحى العام الماضي، من خلال القرار الشامل، لا سيما من قبل نواب ووزراء تيار المستقبل، وذلك بعدم تأدية الصلاة خلفه في مسجد محمد الأمين في وسط بيروت، كما أن رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي عمد في العيدين إلى خرق العرف بالامتناع عن اصطحاب مفتي الجمهورية من منزله لتأدية صلاة العيد.