طوال الأعوام الثلاثة، ماطل الرئيس الأميركي باراك أوباما وأجل واستمهل وضع استراتيجية والقيام بتحرك فاعل على المستوى الدبلوماسي أو العسكري في سورية. عذره كان إما البقاء بعيداً عما وصفه مسؤولوه بـ«حرب استنزاف» بين النظام والمعارضة، أو عدم وجود مظلة وتوافق دوليين، لذلك هو يتحرك اليوم بكلفة كبيرة.
سياسة الاحتواء والتردد الأميركي في سورية ساهما جزئيا في صعود، أو على الأقل إعادة إحياء تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) الذي اكتسح في ١٠ حزيران (يونيو) الماضي الحدود العراقية-السورية وسيطر على الموصل، مستفيداً من وجوده في الرقة ودير الزور شرق سورية.
ما بعد الموصل ليس كما قبله في واشنطن، إذ وجد أوباما، البارد والحذر، نفسه مضطرا للعودة إلى الساحة الحربية في العراق والتخلي عن رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وها هو اليوم يدرس توسيع الضربات الجوية إلى داخل سورية لشل «داعش» وتفادي أفغانستان جديدة في قلب الشرق الأدنى، نقطة تقاطع المصالح الجيو-الإستراتيجية والنفطية الدولية.
«داعش» هو محطة انهيار عقيدة أوباما الاحتوائية في سورية. فبعد عامين من تجاهل التحذيرات من شركاء إقليميين ومسؤولي الاستخبارات من داخل الإدارة الأميركية عن الحاجة إلى التعاطي بحزم أكبر مع ما يجري في سورية، وتعهد من حلفاء الولايات المتحدة بالمساعدة في مواجهة التطرف هناك، يواجه أوباما أكبر تحدٍ لسياسته الخارجية، وبوتيرة أسرع وتنظيمات أكثر شراسة من «القاعدة». وكلام رئيس هيئة الأركان مارتن ديمبسي عن عدم القدرة على هزيمة «داعش» من دون التحرك في سورية، يعكس عمق الأزمة. هذا التحرك بات شبه حتمي اليوم مع قتل «داعش» أمس الصحافي الأميركي ستيفن سوتلوف بعد زميله جايمس فولي، وتأكيد الاستطلاعات أن٦٠ في المئة من الأميركيين يؤيدون الضربات، واستعجال الكونغرس لوضع خطة شاملة لذلك.
الأوساط الأميركية المعنية بهذا التحرك، وفي حال أقره أوباما، تقول لـ«الحياة» أن قيادة «داعش»، وعلى رأسها أبو بكر البغدادي، موجودة في سورية، والضربات في العراق لن تكفي لهزيمتها، لا بل من غير الممكن استقرار العراق كليا طالما أن «داعش» متمدد في الشرق السوري والحدود سائبة بين الجانبين. غير أنها تتحدث عن جدل داخل الإدارة حول كيفية ضرب التنظيم الإرهابي من دون أن يتحول ذلك كمساعدة للرئيس السوري بشار الأسد الذي دعاه أوباما إلى التنحي في آب (أغسطس) ٢٠١١. وتقول صحيفة «وول ستريت جورنال» أن الضربات في حال شنها داخل سورية ستكون مركزة على الجهة الشرقية من البلاد ومحافظتي الرقة ودير الزور، إذ يعد الوجود الأكبر للتنظيم وقيادته. ولم تبد القيادة العسكرية الأميركية اكتراثا لدفاعات ومضادات النظام السوري وقالت أنها ستدخل من دون إذن وكون هذه المضادات إما «معطلة» أو «بطيئة الرد».
أي خطة أميركية ستأخذ في الاعتبار أيضاً رص تحالف إقليمي ودولي حولها، وانطلاقا من كون التهديد يطال دول المنطقة وأيضا أوروبا وأستراليا التي يتوافد منها مقاتلون بالمئات لمساندة «داعش». وتأمل واشنطن من هكذا تحرك شل التنظيم بعد وقف زحفه في العراق، وطي صفحة صيف «داعشي» حار اختصر المسافة بين الرقة وواشنطن.