الصراعات تضعف دور الزعامات المارونية
بري وجنبلاط في عيون المسيحيين: إعجاب بالنموذج
تراقب اوساط مسيحية، من خارج الانقسام الآذاري، المشهد السياسي العام وتبدي اسفها الى واقع معظم الطبقة السياسية وكيفية تعاطيها مع خطورة المرحلة. تتوقف بشكل خاص عند سلوك السياسيين المسيحيين، افرادا وقوى واحزابا. وتعتبر انه بفضل هؤلاء “يقف المسيحيون اليوم وكأنهم عراة وسط عاصفة ثلجية. لا ثياب ترد عنهم البرد ولا سقف يحميهم ولا نار يشعلونها لانارة الطريق، او اقله للتدفئة.” يضيف احد السياسيين ان “ازمة المسيحيين الكبرى اليوم انهم لا يملكون رؤية يسيرون على هديها. ولا يحددون اهدافا يطمحون الى تحقيقها. ولا يرسمون خريطة طريق يقطعون مراحلها على هدي مصالحهم وطموحاتهم ودورهم المفترض في هذا البلد. صراعاتهم شخصية وحزبية ضيقة. كل فريق يفكر في كيفية تسجيل هدف في مرمى الخصم، في حين ان الملعب مشتعل والنيران تتآكل الشباك. صراعاتهم صارت اقرب الى صراعات اهل القرى وتنافسها”. يتحكم في المسيحيين اليوم مبدأ النكاية. ينشغلون في بعضهم بعضا، في حسابات تسجيل موقف من هنا او كسب تأييد من هناك. العلاقة بين “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية” خير مثال. وعلاقتهما بحلفائهما، ودفاعهما عنهما، مثال اسطع. فليس اعز على احد الفريقين من قراءة خبر انشقاق او امتعاض مناصرين للفريق الخصم. وقمة الربح حين تظهر دراسة او احصاء تقدم هذا على ذاك في بلدة نائية في آخر جرد مسيحي. ويكفي ان تناصر “القوات” احدا او تزكيه لمنصب ليتحفظ عليه “التيار”. وفي المقابل يمكن التكهن بموقف “القوات” من اي قضية بمجرد معرفة موقف “التيار”. الاكيد انها ستكون في الموقع المواجه. ويهدر الطرفان وقتا في استقبال المعترضين على سياسات الخصم و”قدامى” مناصريه، اكثر مما يصرفون من وقت في تنظيم شؤون بيتهم الحزبي الداخلي.
العلاقة بين الحلفاء المسيحيين في الصف الواحد ليست افضل حالا من العلاقة مع الخصوم. فـ”المردة” يتحملون من “التيار” ما لا يتحملونه من حليف آخر. ونظرة “التيار” اليهم فيها الكثير من التعالي “الوطني” وحتى “الاجتماعي” و”الثقافي”. وفي مقلب العلاقة بين “القوات” و”الكتائب” الحال ليست افضل. في المجالس الضيقة يقول كل فريق عن الآخر ما لا يقوله الخصوم. اما المستقلون فهم اهداف دائمة. والمساعي متواصلة، ترغيبا حينا وترهيبا او تأديبا احيانا اخرى، لوضعهم “تحت جناح” الاحزاب.
هذا الواقع في الاوساط المسيحية، وانشغالهم بصغائر الخلافات والمواقع، وارتضاؤهم الانشغال بالتفاصيل، جعلت شخصيات وقوى اخرى محط اعجاب، كي لا يقال حسد، من قبل كثيرين منهم.
يقول السياسي المستقل ان “المسيحيين ينظرون باعجاب الى شخصيتين محوريتين في الحياة السياسية اللبنانية، حتى ولو كانوا على خلاف معهما، هما وليد جنبلاط ونبيه بري. فالرجلان يعتبران ضرورة كل المراحل، يقربان من يشاءان ويبعدان من يريدان. وفي الحالتين يسعى الجميع الى نسج افضل العلاقات معهما”. يضيف السياسي محللا: “اليوم، اكثر من اي يوم مضى، يتصرف الرجلان بحكمة ويحاولان وضع الامور في نصابها واولوياتها. يزنان الاوضاع بميزان دقتها وخطورتها. كل باسلوبه بطبيعة الحال. واسلوب بري أسلس وألطف من هجوميات او مدائح جنبلاط الذي يغالي في اي اتجاه سلك”. ويتابع: “يبدو الرجلان اليوم اكثر الواعين لخطورة المرحلة، ويستعملان خطابا وطنيا يفترض ان يكون جامعا الى حد كبير. فالخطر على لبنان عال، ولكن هناك امكانية لتجنبه اذا احسن اللبنانيون ادارة ملفاتهم الحارقة ومواجهة استحقاقاتهم”.
ويرى السياسي ان “قدرة جنبلاط وبري على توسيع مجال رؤيتهما يعود الى ارتياحهما الى مواقعهما داخل طائفتيهما. فهما يأمنان ظهرهما. فلا منافس جديا لجنبلاط في الوسط الدرزي، كما ان موقع بري ودوره يزدادان ضرورة للطائفة الشيعية. بالتالي لا هموم داخلية جدية لديهما، ولا خوف على مكانتيهما في قلب المعادلة الطائفية والوطنية. وهذا، مع الاسف، ليس واقع حال اي من المسؤولين المسيحيين”.