تأخر المجتمع كثيرا ليستفيق على خطر الجماعات الارهابية التكفيرية ولعل البعض لم يزل حتى الساعة يتعامل مع هذا الخطر الاقليمي والدولي اما بجهل او بتواطؤ مشاركا في الجريمة عن قصد او غير قصد.
اما «الصحوة الاممية» تجاه خطر تنظيم «داعش» الارهابي، فقد جاءت بعد وصوله الى اعتاب «الدولة الفاضلة» اي اقليم كردستان العراقي، كما تراه بعض الدول وفي مقدمها الولايات المتحدة الاميركية.
منذ العام الاول من الاحداث السورية ظهرت هذه المجموعات باسماء والوان متنوعة، واطلق الرئيس السوري بشار الاسد يومها صرخة عالية محذرا من ان الانفجار سيمتد الى المنطقة باسرها اذا ما بقي المجتمع الدولي يتعامل مع ما يجري بهذا الشكل من التواطؤ بل والدعم السافر للارهاب والارهابيين.
وبدلا من ان يتنبه الجميع تقول مصادر سياسية متابعة ويتجاوبون مع هذه الصرخة اخذ بعض الدول العربية والاوروبية الى جانب واشنطن تتمادى في دعمها لهذه الجماعات تحت عنوان مساندة «المعارضة السورية» المسلحة في وجه النظام…. لا بل انها لم تتردد في مد هذه المجموعات المتطرفة بالسلاح والمال، وما يزال بعضها حتى الان.
يومها كان شعار هذه الجهات والدول الاولوية هي لاسقاط النظام السوري، تضيف المصادر، وبعدها يمكن استيعاب المجموعات المعارضة المتشددة بائتلاف يجري تحريكه وتوجيهه بواسطة «الريموت كونترول الاقليمية والدولية».
لكن النظام السوري صمد بجيشه وشعبه في هذه الحرب الكونية، واستطاع تثبيت وضعه واستلام زمام المبادرة محققا لاحقا نجاحا عسكرية في تطهير مناطق سورية واسعة من هذه المجموعة.
ومع ولادة «داعش» التنظيم الارهابي الاكثر دموية في التاريخ، على حد تعبير مرجع سياسي بارز، ودخوله الحرب تحت شعار بناء الدولة الاسلامية في سوريا والعراق برزت عناصر جديدة للخطر الذي يحيط بالمنطقة باسرها ويهدد السلام والاستقرار العالميين.
واذا كانت ولادة هذا التنظيم قد بدأت في العراق (الفلوجة) فانه سرعان ما امتد نشاطه الارهابي الى المناطق السورية المحاذية للحدود مع العراق ومناطق حدودية اخرى مع تركيا، وبين ليلة وضحايا يضيف المرجع برز «داعش» كتنظيم ارهابي منظم التسليح والتدريب، واخذ يتمدد في العراق لا سيما في بعض ما يسمى بـ«البيئة الخاطئة» مستفيدا ايضا من اخطاء الحكومة العراقية، طبعا الى جانب الدعم المنقطع النظير من جهات اقليمية ودولية.
واستطاع ايضا ان يسيطر ويخلق منطقة نفوذ له في الرقة ومناطق اخرى في دير الزور والريف الحلبي قبل ان يتسرب ايضا الى مناطق جديدة على حساب تنظيمات متشددة اخرى لا سيما «جبهة النصرة» احد ابرز تشكيلات «القاعدة».
ورغم كل الجرائم والمجازر التي ارتكبتها هذه المجموعات في سوريا والعراق بقي المجتمع الدولي على حد قول المرجع في موقع المتفرج، لا بل ان واشنطن وحلفاءها الغربيين تجاهلوا كل الفظائع التي حصلت على يد هؤلاء الارهابيين بكل فصائلهم، ولم تدق ناقوس الخطر الا بعد وصول «داعش» الى اقليم كردستان وتهديد اربيل.
والسؤال لماذا هذه الاستفاقة المتأخرة؟ هل هي مرتبطة فقط بالخطر الداهم الذي وصل الى كردستان ام انها تتجاوز هذا التوصيف؟
في كل الاحوال، لا يختلف اثنان على ان «داعش» واخواتها تمددت بطريقة مضطردة وبشكل لم تعد الولايات المتحدة ومن معها قادرة على تجاهل استفحال هذا الخطر في المنطقة وعلى العالم.
وفي قراءة عامة لظاهرة «داعش» ينقل عن الرئيس نبيه بري «ان هذا التنظيم الارهابي ظهر كباقي المجموعات والتنظيمات الارهابية «النصرة» وغيرها، ثم بين الترويقة والغداء تحول الى قوة ارهابية اساسية يكبر حجمها وتوسعها بطريقة دراماتيكية وخيالية.
وبرأي بري، كما ينقل عنه، ان هذا التنظيم صار بحجم دولة كبيرة اكان على مستوى التسليح او المساحة الجغرافية او الامكانيات المالية والمادية، لكنه لم يتحول الى دولة مؤسسات نظرا لطبيعة تشكيله وتوجهه الارهابي الذي يعتمد اليوم بالدرجة الاولى على القوة والانتشار مستفيدا من مساعدات مالية وعسكرية ومن توفير كميات هائلة من الاموال نتيجة سيطرته على ابار النفط وثروات اخرى.
ويشير الى التقارير التي تتحدث عن سيطرة «داعش» على ما يقارب الـ 160 الف كيلومترا مربع في العراق وسوريا اي ما يعادل 14 او 15 مرة من مساحة لبنان.
وفي اجتماع تنظيمي لحركة «امل» منذ عشرة ايام تحدث بري عن هذا الخطر وخلفياته واهدافه، ثم توسع ليشرح ما يجري في المنطقة باسرها منذ ما يسمى الربيع العربي وحتى الان.
وفي معرض هذا الشرح يقول رئيس المجلس «ان ما يجري هو بمثابة عصف هائل يجتاح المنطقة ويهدد العالم. وهذا العصف يضرب الدول والكيانات والمجتمعات ولا يقتصر خطره على دولة او اثنتين او ثلاث».
وفي هذا المشهد الخطير يشير بري الى ما يجري نتيجة هذا العصف من «تغيير حدود دول عديدة، وابادة المجموعات وفئات كما يحصل تجاه المسيحيين واقليات اخرى في العراق، والقضاء على التنوع العرقي والطائفي في المنطقة باسرها»، ويشير الى «ان ما تشهده المنطقة يفوق التصور ايضا على صعيد انتهاك حقوق الانسان والمجازر الفظيعة التي ترتكبها المجموعات والجماعات الارهابية في العديد من الدول عدا عن انتهاك القوانين الدولية والتشريعات الاممية ومواثيق الامم المتحدة، ورغم كل هذا العصف الكبير وهذه المخاطر والتهديدات والفظائع التي لا يمكن السكوت عنها بقي المجتمع الدولي ومجلس الامن ساكتين يصمان الاذان، ولم يتخاذ اي قرار لوقف ما يجري».
وسبق كلام الرئيس بري في الاجتماع التنظيمي المذكور حوالى الاسبوع عن صدور قرار مجلس الامن الاخير الذي تضمن قطع الامدادات والمعونات العسكرية لـ«داعش» و«جبهة النصرة».
وبرأي الرئيس بري ان «داعش» بدأت وتعملقت واشتدت في العراق، وان تصغيرها وتحجيمها سيبدأ ايضا من العراق.