Site icon IMLebanon

برّي: يريدون لعبة حافة الهاوية… سألعبها معهم

لا استحقاق جدياً الآن سوى مصير ولاية مجلس النواب، الذاهب حتماً الى تمديد ثان طويل. لا صلة تجمعه بالاستحقاق الآخر المعلق، وهو انتخاب رئيس الجمهورية. لا التمديد يستعجل انتخاب الرئيس، ولا انتخاب الرئيس داهما كي يتراخى المعنيون بتجنيب البرلمان فراغاً اكثر هولاً

امام احد زواره البارزين قبل ايام، قال رئيس مجلس النواب نبيه بري في معرض تأكيد رفضه تمديد ولاية البرلمان: يلعبونها حافة الهاوية. سألعبها معهم كذلك حافة الهاوية. لن امشي في تمديد ولاية المجلس من اجل التمديد له فقط. لا يريدونه ان يجتمع ولا ان يشرّع. فلِمَ التمديد له؟

بات تمديد ولاية المجلس جزءاً من مشكلة الاستحقاق الرئاسي، مع انه لم يكن كذلك في31 ايار 2013 عند التصويت على قانون تمديد الولاية سنة وخمسة اشهر. عزيت الحاجة الى تأجيل اجراء الانتخابات آنذاك الى سببين منفصلين ومختلفين، هما الخلاف على قانون الانتخاب وتردي الوضع الامني في طرابلس.

للمطالبة الحالية بالتمديد مجدداً حجة مغايرة تماماً، لكنها تصب في الهدف نفسه، وهو الابقاء على توازن القوى الحالي في برلمان لا يملك اي فريق فيه اكثرية مقرّرة: لا تصحّ الانتخابات النيابية قبل ملء شغور الرئاسة الاولى بانتخاب رئيس جديد للجمهورية.

لا احد قادراً على توقع انتخاب الرئيس في الاشهر المنظورة على الاقل. الا ان دون اجراء الانتخابات النيابية في موعدها او تمديد ولاية المجلس قبل انقضاء الولاية الحالية فراغاً ادهى من شغور الرئاسة: انهيار الهيئة المؤسِّسة التي تنبثق منها الشرعيات الدستورية الاخرى.

في احاديثه امام زواره، حدد بري دوافع التمديد الاول: كان المطلوب تمديد لسنة فقط ينجز في خلالها قانون جديد للانتخاب نذهب من ثمّ الى تطبيقه في الانتخابات النيابية. ثم ارتؤي تمديد التمديد خمسة اشهر اضافية بعدما تبين ان مهلة السنة تنتهي في أوان الاستحقاق الرئاسي الذي يدعى اليه مجلس النواب، فلا يصح تزامن انتخاب الرئيس والانتخابات النيابية. انقضى التمديد الاول والمجلس بالكاد التأم في عشر جلسات بين تشريعية ومناقشة الثقة بالحكومة الى جلستين خصصتا لغزة وتلاوة رسالة رئيس الجمهورية، ولا تزال هناك جلسة مفتوحة مؤجلة من موعد الى آخر لمناقشة سلسلة الرتب والرواتب. منذ التمديد الاول حتى اللحظة، لم يؤتَ على البحث في قانون الانتخاب، وهو المبرر الفعلي للتمديد في ظل الانقسام الداخلي على قانون الانتخاب. الآن يتحججون بأسباب اخرى لتعطيل المجلس هي عدم انتخاب رئيس الجمهورية.

من قميص بيروت عام

1984 الى قميصي تمديد 2013ونصاب الثلثين

يوصد بري باب المناقشة في تمديد جديد لولاية المجلس، ويتصرّف على انه الاكثر تفاؤلا بين المسؤولين والقيادات، بالقول ان في الامكان ــــ في اي وقت ــــ انتخاب رئيس للجمهورية. ويعدّ هذا الاستحقاق اولوية غير منازع عليها. مرة اخرى يجد نفسه امام قميص اما يُرغم على لباسه، او يصر على رفض ارتدائه.

اول قميص لبسه، وهو امن بيروت عام 1984 بعد انتفاضة 6 شباط سارع الى خلعه واحاله على اللواء السادس في الجيش، وان كان يتأثر تماما بإمرته غير المباشرة عليه. يومذاك نسب اليه انه لا يريد ان يتنكب قميصا وسخا. وكان يقصد بذلك تجنّبه تحمّل وزر الفوضى الامنية التي ضربت الشق الغربي من العاصمة من تفلت الميليشيات وتناحرها على احياء المدينة. في ما بعد أُلبس بري اكثر من مرة قمصانا في الحقبة السورية وبعدها. تارة ترويكا الحكم، وطورا تخريجه التمديد للرئيس الياس هراوي عام 1995 وهو كان ضده، ومرة بدعوته الى الغاء الطائفية السياسية، واحيانا باقفال ابواب مجلس النواب عام 2006، الى ان كان القميص ما قبل الاخير، وهو تمديد ولاية المجلس العام الماضي. اما القميص الاخير حتى الآن على الاقل، فهو اتهام رئيس المجلس بتعطيل انتخاب رئيس الجمهورية من خلال اصراره على نصاب الثلثين لالتئام البرلمان ايا تكن دورات الاقتراع بعد الدورة الاولى. قميص من غير المتوقع ان يخلعه بري.

على ان العقبة تصبح كأداء حقا متى اخفق الافرقاء المعنيون في التوصل الى تسوية على بت مصير ولاية المجلس قبل انقضاء الولاية الحالية في 20 تشرين الثاني. نصف المجلس مع تمديدها، ونصف ضدها: يمثل بري الصوت الشيعي المعلن الرافض للتمديد في ظل صمت حزب الله، بينما يرفض تكتل التغيير والاصلاح والقوات اللبنانية التمديد ايضا. في المقلب الآخر يجهر تيار المستقبل ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط بهذه الخطوة الوقائية لتفادي الفراغ. اما حزب الكتائب فرِجل هنا واخرى هناك.

ما ان تنقضي الولاية من دون انتخاب خلف له، او التحوّط بقانون تمديد الولاية، يفقد البرلمان الحالي كل شرعية، وكل مقدرة على انشاء اي سلطة دستورية جديدة كانتخاب رئيس الجمهورية او تسمية رئيس مكلف للحكومة. يضيف رئيس المجلس امام زواره سببا آخر هو ان الحكومة القائمة نفسها تفقد شرعيتها ودستوريتها باضمحلال مجلس النواب اذ تمثل امامه وتخضع لمساءلته ورقابته وتحكم بثقته بها. بذهاب المجلس تذهب الحكومة ايضا ما يضع البلاد ــــ يقول بري ــــ في فراغ كامل.

في ما مضى عرف مجلس النواب اختبارين شارف من خلالهما على الفراغ، وكادا يقوّضانه قبل ان يلتقط فرصة تعويم شرعيته: عام 1976 استدرك نهاية ولاية المجلس المنتخب عام 1976 بتمديد الولاية سنتين تحت وطأة الحرب الاهلية وتعذّر اجراء انتخابات نيابية جديدة. كرّت بعد ذلك سبحة ثمانية قوانين حتى آخرها عام 1989 بتمديد الولاية حتى 31 كانون الاول 1994، ما لبث ان قصّر الولاية الاخيرة واجرى انتخابات 1992. درج تمديد الولاية على مرّ تلك السنوات آلياً، متذرعاً باستمرار الاضطرابات احيانا والحرب في احايين اخرى. في ظل الولاية الممددة انتخب خمسة رؤساء للجمهورية وعبرت به تسع حكومات.

بيد ان الاختبار الثاني مثّل صدمة فعلية، غير مسبوقة في تاريخ مجلس النواب، عندما اقدم رئيس الحكومة العسكرية العماد ميشال عون فجر 4 تشرين الثاني 1989 على حل المجلس لمنعه من انتخاب رئيس الجمهورية. لم تكمن السابقة في قرار الحلّ، وليس الاول بعدما سبقه اليه ثلاثة رؤساء هم بشارة الخوري وكميل شمعون وفؤاد شهاب. بيد انها المرة الاولى يحلّ رئيس حكومة تولت صلاحيات رئيس الجمهورية منوط بها التحضير لانتخاب الرئيس الخلف مجلس النواب باسم ممارستها صلاحيات الرئيس. وخلافا لعام 1976 عندما تفادى المجلس باكرا الوقوع في فراغ محتوم، ادخل عون مجلس النواب في فراغ لم يُعطَ ان يعمّر سوى ساعات قليلة. اليوم التالي احيت تسوية الطائف، بالغطاء الاقليمي والدولي الفضفاض، البرلمان المنحل ــــ متجاهلا قرار الحلّ ــــ بأن التأم وصوّت في ثلاث جلسات متتالية في اقل من ساعتين على انتخاب رئيس للمجلس واقرار وثيقة الطائف وانتخاب الرئيس رينه معوض.

ليس للبرلمان الحالي الحجج الكافية للتذرّع بما حصل في سني 1976 وما تلاها. ولا هو على ابواب تسوية مشابهة لاتفاق الطائف تنتشله من الفراغ اذا انقضت ولايته من دون التحوط لها بتمديدها.