ربما كانت أكثر الأمور صدقاً في مسلسل الكذب الأسدي الدموي الطويل هو مطالبات أنصار بشار الاسد له بأن يصبح ملكاً على سوريا تتعاقب ذريته على حكمها لاحقاً. اما أكثر الأمور كذباً وتدجيلاً واحتقاراً للعقول فهو تباهيه اليومي بانه «أنهى الإسلام السياسي» قاصداً المواجهات مع تنظيمات «القاعدة» وأخواتها في سوريا.
هذا الرجل الذي يعبد نفسه ويقدّسها ويحتقر الأديان كلها هو المسؤول الأكبر عن استيراد شحنة الاسلام السياسي الفاسدة الى سوريا لتحويل المعركة من مواجهة شعب ثائر سلمياً الى مواجهة إرهابيين متطرفين روّعوا الآمنين واعتدوا على المؤسسات وأقاموا محاكم تفتيشهم على الارض واغتصبوا الأقليات وحقوقها.
هذا الرجل الذي سرّبت أجهزته الامنية في بداية الثورة كل مقاطع الفيديو التي تظهر أنصاره وهم يعذّبون المعارضين والمتظاهرين لا لشعاراتهم السياسية بل لمعتقداتهم الدينية ويطلبون منهم ان يقولوا «لا اله إلا ….»، هو مَن استدرج مناخات متطرفة، وضحك على مَن اعتقده غبياً يقصف سلطته بهذه المشاهد، لانه عملياً كان يقصف البنى الاجتماعية السورية ويطبّق ما تمّت برْمجته في غرفة القيادة الموحّدة.
هذا الرجل عمل بخطوطٍ متوازية على صرف إرهابه الاسود في اليوم الأبيض … يوم انتفاضة السوريين الرائعة. كل مَن أرسلهم الى العراق مع ايران أعاد تجميعهم، وكل مَن كانوا في مخازنه – مثل أنصار «فتح الاسلام» وغيرها- أخرجهم ونفض عنهم الغبار وبدل ان يرسلهم للجهاد في نهر البارد والعراق كما كان يفعل، أرسلهم الى شمال سوريا وجنوبها ووسطها مدجّجين بحلم الإمارة الإسلامية التي لا يجدون في ظل الابواب الاقليمية والدولية الموصدة الا الانتحار من اجلها. وبالطبع لم تبخل ايران بإمداده باللاجئين اليها من افغانستان عبر الجسور الجوية والبرية المفتوحة. وللتوثيق، فقط للتوثيق. ايران التي فتحت لسنوات عقلها الامني قبل ارضها لايمن الظواهري، تستطيع فتح الطريق لجماعته الى سوريا.
هذا الرجل لعب على أقذر أنواع العصبيات عند الذين كانوا قبل ذلك خارج هذه اللعبة. وبين ممارسات مخابراته وممارسات «المجاهدين» وجهل المعارضين وغياب الرؤية عند كثيرين، تأسست في سوريا مسألة اسمها «تحالف الاقليات» تضمّ مجموعات من أبناء الطوائف غير المسلمة وعدداً كبيراً من الشيعة والعلويين، تجمعهم فقط غريزة الالتفاف حول «حامي الطوائف الشرقية».
وهذا الرجل الذي «أنهى الإسلام السياسي»، يعرف كما يعرف الجميع ان المرشد الاعلى للجمهورية الاسلامية في ايران السيد علي خامنئي هو مَن أعطى الفتوى للأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله بالمشاركة في القتال في سوريا دعماً له، وان الشعارات التي أطلقها الحزب اللبناني لترجمة امر الولي الفقيه وتبرير تدخّله هي شعارات دينية موغلة في الطائفية مثل حماية مزارات الشيعة او الاستجابة لما ورد في كتب دينية قبل مئات السنين عن رايات وتقاتل في برّ الشام.
وهذا الرجل الذي «أنهى الاسلام السياسي»، أرسل له قائد لواء القدس في الحرس الثوري الايراني قاسم سليماني عشرات الآلاف من «عصائب اهل الحق»، وهم التنظيم الأكثر تطرفاً ومذهبية في العراق المنشق عن التيار الصدري، ومَن يستمع الى قادة العصائب وهم يتحدثون عن أسباب وجودهم وقتالهم في سوريا يترحّم على «الإسلام السياسي» الذي يقصده بشار.
هذا الرجل يتحدث وكأن مَن يحمي نظامه اليوم تكتلات مدنية علمانية ليبيرالية ديموقراطية قومية يسارية. عملياً، يحميه الحرس الثوري الايراني، «حزب الله»، «عصائب اهل الحق»، تكتلات علوية متطرفة ملتحقة بأنصار الجيش السوري او ما بقي منه. وفي النتائج السياسية يحميه ايضاً تنظيم «داعش» وجبهة «النصرة» والمجموعات المقاتلة المتطرفة والدعاة الذين نصّبوا أنفسهم حكّاماً و«الامراء» الذين يتحكمون بخلق الله في سوريا … وكل هذه التكتلات تتجاوز الإسلام السياسي الذي «انتهى» منه بشار الاسد الى الإسلام الطائفي المذهبي العسكري الأمني الهمجي.
إما ان بشار يكذب، وإما أن كل التكتلات الدينية الطائفية التي تحمي نظامه ستعتمد منهجاً ليبيرالياً انفتاحياً مدنياً لتثبت انه فعلاً أنهى «الإسلام السياسي» ولم ينهِ سوريا وشعبها وتاريخها وحضارتها.