إذا نجح معرقلو انتخاب رئيس للجمهورية في محاولتهم، ونجحوا أيضاً في عدم التمديد لمجلس النواب، تبقى الحكومة واقفة على “صوص ونقطة”، حتى إذا ما انفجرت من الداخل يكون لبنان قد دخل الفراغ الشامل والقاتل الذي يضعه أمام المجهول.
في الماضي أشعلت مؤامرة خارجية حرباً داخلية مستفيدة من انقسام اللبنانيين سياسياً ومذهبياً حول السلاح الفلسطيني وغيره، ولم تنتهِ تلك الحرب إلا بعد 15 سنة بصفقة أميركية – سورية، ومن دون ممانعة عربية واسرائيلية تكرست في اتفاق الطائف الذي أخضع لبنان لوصاية سورية دامت 30 عاماً.
وإذا كان تجدد الحرب ممنوعاً حالياً في لبنان، وإن مظلة دولية تحمي أمنه واستقراره، فإن من يريدون شراً بلبنان يحاولون دفعه نحو الفراغ الشامل كي يصير في الامكان البحث في اتفاق طائف جديد يكون في نظرهم أكثر إنصافاً وعدالة في توزيع الصلاحيات على السلطات الثلاث وبين الطوائف الثلاث الكبرى. وإذا كانت الحرب ممنوعة في لبنان، فإن الحرب السياسية غير ممنوعة، وهي حرب أدت حتى الآن إلى إحداث شغور رئاسي وإلى طلب التمديد لمجلس النواب خشية الفراغ المجلسي والتشريعي، بعدما تعذر الاتفاق على قانون جديد تجرى الانتخابات النيابية على أساسه، وتواجه البلاد مشكلة تمديد ثانٍ للمجلس إذا ظل الخلاف قائماً بين القوى السياسية الاساسية على انتخاب رئيس، مع انه خلاف لا مبرر له لو لم يكن وراء أكمة هذا الخلاف ما وراءه… فلو أن النيات صافية والإرادة الوطنية حرة ولا وجود لخطة ترمي إلى إحداث فراغ شامل في كل السلطات لشل عمل كل المؤسسات، لكان في الامكان التوصل إلى اتفاق على مرشح توافق أو مرشح تسوية، وهو ما كان يحصل أحياناً في الماضي، وإذا تعذر ذلك فإن في الامكان الاتفاق على وضع لائحة بأسماء مرشحين يعتبرون مستقلين ووفاقيين، أو أن تضع كل من قوى 8 و14 آذار لائحة بهذه الأسماء والذهاب بها الى مجلس النواب كي يتم الاقتراع السري وفقاً لما نص عليه الدستور، ويعلن فوز من نال اكثرية الاصوات المطلوبة، وإلا فما معنى استمرار قوى 8 آذار في التمسك بمرشحها الواحد والوحيد وهو العماد ميشال عون مع علمها أن حظوظ فوزه شبه معدومة إلا لتظل قادرة على تعطيل نصاب الثلثين، وما معنى أن لا تتوصل هذه القوى الى اتفاق على مرشح تسوية كان “حزب الله” أول من دعا الى الاتفاق عليه ردا على ترشح الدكتور سمير جعجع ووصفه بالاستفزازي، وما معنى رفض التمديد لمجلس النواب مرة ثانية إذا ما قضت الضرورة بذلك وتجنباً لفراغ مجلسي بعد شغور رئاسي، أفلا يعني ذلك أن خطة إحداث فراغ تنفذ خطوة خطوة ومرحلة بعد مرحلة لتبقى الحكومة وحدها تدير شؤون البلاد تحت رحمة الانقسامات الحادة بين 8 و14 آذار وهي انقسامات قد تفجر الحكومة في أي وقت؟
لقد كان تشكيل الحكومة برئاسة تمام سلام وليد توافق وتفاهم خارجيين انعكسا على الوضع الداخلي. فهل إذا زال هذا التوافق تزول الحكومة ومتى؟! هل بعد أن تفشل 8 آذار في ايصال مرشحها الى قصر بعبدا وكان ذلك جوهر الحوار الذي أجراه “التيار الوطني الحر” مع رئيس “تيار المستقبل” سعد الحريري وحقق تفاهمات على امور داخلية ساهمت في تشكيل الحكومة وفي إمرار بعض المشاريع والتعيينات، لكنه لم يبلغ حد تأييد العماد عون كمرشح وفاقي للرئاسة الاولى، فكان ذلك سبباً من أسباب الاستمرار في تعطيل جلسات الانتخاب ورفض التمديد مرة ثانية لمجلس النواب لتعذر إجراء انتخابات نيابية في موعدها على أساس القانون الحالي.
لقد أعلن وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل في حديث صحافي: “إننا امام مرحلة حساسة جدا في لبنان، ليس فقط في الخطر التكفيري الخارجي، لكن في إمكانات تثبيت التوافق الداخلي، والحكومة هي أمام لحظة دقيقة جدا في انفراطها أو أن تكمل تماسكها، والدفع الذي قدمناه في الماضي وصل الى خواتيمه، والقضية باتت في حاجة الى دفع اضافي والا سنكون امام مشكلة لن يحلها لا تمديد لمجلس النواب ولا مسكنات محلية لأزمة لاحقة”. وردا على سؤال: ما الذي يمكن أن يفجر الحكومة؟ قال: “إن الحكومة هي على أبواب انفجار منعناه في الأيام الأخيرة ونأمل أن يضع الجميع يده معنا لكي نزيل هذا الصاعق، والسبب هو الخطر المحدق، وهو أمن وإرهاب وكيفية تعامل الحكومة معه، وهذا خطر كبير يمكن أن يتفشّى. والخطر الآخر هو آلية وروحية عملها الميثاقي التي اتفقنا عليها وليست تعطيلية، وعندما تتعطل شؤون الناس وتضرب هيبة الدولة ولا حكومة تعمل، فإن هذا يهدد روحية التوافق في الحكومة”…