التوجّه الحكومي بزيادة «الإستثمار في الأمن» يشكّل معالجة ظرفية لتداعيات مشاركة «حزب الله» بالحرب في سوريا
بقاء سلاح «حزب الله» بلا حلول جذرية يُبقي الأمن مترجرجاً والمعالجات غير مكتملة
لا بدّ أن يسبق اعتماد مشروع «الاستثمار في الأمن» سلسلة إجراءات وتدابير سياسية وأمنية
بعد سلسلة الأحداث الإرهابية التي وقعت في لبنان مؤخراً، والدور الاستباقي الذي لعبته الأجهزة الأمنية والعسكرية في تعقب وملاحقة مرتكبي هذه الجرائم وكشف العديد منها قبل حدوثها في غير منطقة، راجت مقولة وجوب زيادة «الاستثمار في الأمن» كما نقل عن رئيس المجلس النيابي نبيه بري في مجالسه مراراً وإعلان وزير الداخلية نهاد المشنوق ارتياحه لتأييد بري تطويع المزيد من العناصر في سلك قوى الأمن الداخلي، لزيادة عديد هذه القوى وتمكينها من القيام بالمهام المتعددة المطلوبة منها جراء تداعيات الأزمة السورية وزيادة الحوادث الناجمة عن الأعداد المتزايدة للاجئين السوريين في لبنان وغيرها.
هل «زيادة الاستثمار في الأمن» كما هو مطروح ضروري ويحقق الغاية المرجوة منه في حفظ أمن الناس بالتساوي وكبح جماح الأحداث الأمنية التي تزداد يوماً بعد يوم؟
لا يختلف إثنان على أن تعزيز القوى الأمنية والعسكرية أمر في غاية الأهمية في هذه المرحلة الصعبة والحساسة التي يمر بها لبنان جراء تطور الأحداث على الساحتين السورية والعراقية بشكل دراماتيكي ينذر بمزيد من المخاطر والتهديدات التي قد تصيب لبنان بشكل أو بآخر مع استمرار مشاركة «حزب الله» بثقله في الحرب الدائرة بسوريا دفاعاً عن نظام بشار الأسد وردود الفعل المحتملة لهذا التدخل كما أظهرت وقائع الأحداث التي عاشها لبنان في الأشهر القليلة الماضية.
وتأتي مواقف كبار السياسيين والمسؤولين الداعية لدعم الجيش والقوى الأمنية على اختلافها ومطالبتهم المستمرة بحصر وجود السلاح بالسلطة الشرعية دون سواها لتدعم مطلب «الاستثمار في الأمن»، في حين تبرز في هذا الخصوص مبادرة المملكة العربية السعودية بتقديم مبلغ ثلاثة مليارات دولار لدعم قدرات الجيش اللبناني وزيادة فاعليته إضافة لتوجهات ومواقف دول أخرى، عربية وأجنبية لتصبّ في خانة هذا التوجّه وإعطائه دفعاً قوياً الى الأمام ليأخذ مداه ويحقق الغاية المرجوة منه، إن على صعيد الحفاظ على أمن الوطن والمواطن أوفي تكريس سلطة الدولة على سائر أراضيها دون أي قوة مسلحة مليشيوية أخرى. ولكن تحقيق الأهداف المرجوة جراء المطالبة بزيادة «الاستثمار في الأمن» ما يزال صعب المنال في المرحلة الحالية وخصوصاً الحفاظ على أمن المواطن أياً كان في ظل استمرار تمسك «حزب الله» بسلاحه غير الشرعي وتفلته من القوانين والمحاسبة واستعماله في الوجهة التي تحقق أهداف مخططاته الإقليمية والمحلية على حدٍّ سواء، إن كان بإمساكه بمفاصل السلطة ومرتكزاتها بقوة وترهيب هذا السلاح كما هو حاصل في الوقت الحاضر وكما حصل في محطات مشؤومة سابقة في السابع من أيار وغيره، أو في انغماس الحزب بالمشاركة في الحرب الدائرة بسوريا للدفاع عن نظام الأسد تحت أعين القوى الأمنية والعسكرية اللبنانية ودون حسيب أو رقيب وكأنه مستثنى من أي منع أو ملاحقة وفوق القوانين ودون سائر بقية اللبنانيين، الأمر الذي يخلق فوارق ملحوظة في التعاطي بين اللبنانيين ويزيد من قلة الثقة بقدرة الدولة وقواها في الحفاظ على أمن الوطن والمواطن على حدّ سواء.
والأمر الآخر الذي يتعارض مع نجاح التوجه لزيادة «الاستثمار في الأمن» هو استمرار وجود ميليشيات مسلحة أخرى تتلطى وتستفيد من حماية الدولة لوجودها بشكل غير شرعي، وأهمها ميليشيا رئيس المجلس النيابي نبيه برّي المنتشرة في نواح عديدة من العاصمة والضاحية الجنوبية وغيرها تحت مسميات وهمية ومرفوضة وفات عليها الزمان، وهي تمعن بشكل أو بآخر بإضعاف الدولة ومؤسساتها، اضافة الى العديد من الميليشيات المنتشرة في العاصمة وغيرها بشكل غير شرعي تحت اعين القوى الأمنية والعسكرية على اختلافها، ووظيفتها الوحيدة تكريس هيمنتها على النّاس وترهيبهم بقوة السلاح الميليشيوي لتكرّس بقاء السلاح غير الشرعي بيد «حزب الله» متفلتاً من أية ضوابط شرعية كما هو حاصل بالوقت الحاضر.
ولذلك، وانطلاقاً من كل هذه الوقائع التي يعرفها اللبنانيون عن ظهر قلب، لا بدّ وأن يسبق اعتماد مشروع «الاستثمار في الامن» سلسلة إجراءات وتدابير سياسية وأمنية، كي يأتي المشروع المذكور بالنتائج المرجوة منه ويحقق الاهداف المتوخاة منه، أوّلها معاودة جلوس كل الأطراف اللبنانيين إلى طاولة الحوار الوطني لاستئناف البحث في موضوع سلاح «حزب الله» غير الشرعي ووضع الحلول المطلوبة له وإلحاق باقي الميليشيات المنضوية تحت لواء الحزب بوضعيته. ويبدو ان هذا الأمر متعذر في الوقت الحاضر بسبب استمرار تباعد الأطراف المحليين بعضهم عن بعض وتفاعل التطورات المتسارعة على الساحتين السورية والعراقية مما يبقى كل الأمور معلقة بالداخل اللبناني لحين انقشاع الاوضاع على الساحة العربية ككل.
وإزاء ما يحصل، يبقى مشروع «الاستثمار في الامن» كما هو مطروح في الوقت الحاضر، بمثابة معالجة ظرفية لتداعيات الحرب الدائرة بسوريا على الساحة اللبنانية ولتخفيف المخاطر الأمنية قدر الإمكان، في حين أن تمني اللبنانيين بتنفيذ مشروع متكامل يحقق الأمن بالتساوي بين كل اللبنانيين ويحصن لبنان إزاء المخاطر المحدقة به من كل اتجاه ويحصر وجود السلاح بيد الدولة اللبنانية دون سواها مؤجل حتى اشعار آخر.