سيمرّ وقت طويل، وستشهد المنطقة أحداثاً جساماً قد تتخلّلها حروب صغيرة وتواكبها فوضى عارمة، قبل أن ينجلي الضباب الكثيف الذي يُحيط بدولة “الخلافة الإسلاميّة” التي حلّت محلّ “الدولة الإسلاميّة في العراق والشام” بشحطة قلم من تنظيم “داعش” الذي بدأ يشكّل علامة استفهام كبرى بالنسبة إلى المنطقة العربية ودول الغرب أيضاً.
مَنْ هي القوى النافذة التي تدعم “داعش”؟ وما هو حجم الدور الذي نيط بهذا التنظيم الذي تطوَّر بسرعة فائقة، مثلما تمكّن من الاتكاء على ثروة ضخمة من المال والتأييد؟
الغموض وحده هو الجواب عن كل الأسئلة التي تُطرح محليّاً وعبر البحار.
كذلك الأمر بالنسبة إلى سؤال آخر مُربك، مفاده: إلى أين ينوي “داعش” الوصول؟ وما هو الهدف الذي ينوي بلوغه وتحقيقه بعد إعلان “الخلافة”؟
خبراء مشهودٌ لهم في هذا المجال يتوقّعون انعكاسات إيديولوجيّة بالغة الأهميّة والخطورة لخطوة “داعش”. وفي رأي البروفسور بيتر نيومان أن إعلان دولة “الخلافة” أو مجرّد “دولة إسلاميّة “هو بمثابة إعلان للحرب، ليس على الغرب وحده، بل على “القاعدة” أيضاً”.
كما لا يستبعد آخرون أن يشكّل الإعلان المفاجئ، الذي ارتجّت له مطارح متعدّدة، “بداية مرحلة جديدة من الجهاد العابر للقارات”.
ثم تنتقل بنا علامات الاستفهام التي لا تخلو من الهواجس والتوتّر إلى التساؤل ماذا ومَنْ وراء الدولة والخلافة والأكمَة؟ وإلى أيّ مدى يمكن أن تصل هذه التجربة المُحرجة لكل المنطقة العربيّة وللشرق الأوسط القديم والجديد معاً؟
لقد أرخى الحَدَثُ بظلّه الثقيل والمُربك على العواصم العربيّة المعنيّة مباشرة، وتحديداً بغداد ودمشق. ثم الدول المحيطة، والتي ليست بعيدة جغرافيّاً وسياسيّاً عن تفاعلات الحَدَث وطراطيش ذيوله المدوّية. غير أن الجميع ينتظرون “شيئاً ما”، “تطوّراً ما”، مفاجأة ما تزيل الغموض الذي يغلّف هذا الزلزال الجديد.
الوضع هناك، وتحديداً في المناطق العراقيّة المفتوحة على المناطق السوريّة، لا يختلف عن حال الحيص بيص: خلافات، وفوضى بين “داعش” و”القاعدة” والفصائل السنّية والعشائر والبعث، فضلاً عن انتصاب المرابض والمتاريس… والله أعلم.
لكن “السذاجة” السياسيّة التي واكبت أميركا العظمى في غزواتها المشرقيّة والآسيويّة، كما في بعض القرارات والحروب الإفراديّة التي عادت عليها بالخيبات، وعادت هي منها منتوفة الريش، وعلى طريقة الفرار براً بحراً جواً، هذه “السذاجة” عادت فتجلّت أمس في سياق تعليقات وزارة الخارجيّة الأميركيّة على إعلان “الخلافة الإسلاميّة”، وقولها إنه لا يعني شيئاً، إنها مجرّد محاولة لتخويف الناس: لقد سمعنا سابقاً مثل هذه الكلمات.
أما البيت الأبيض فيرى، عبر الناطق باسمه، أن “داعش” يحارب ليدمّر العراق… ودعا القادة العراقيّين لمواجهة هذا التهديد الوجودي.