عندما تولى الياس بو صعب وزارة التربية والتعليم العالي لم يخطر في باله انه سيجد نفسه متخبطاً في المحاور السياسية، إن هو أراد تحديد موعد امتحانات رسمية، فما بالك في خطوة بدت عصية على من سبقوه لسنوات، وهي تعيين عمداء في كليات الجامعة اللبنانية وبت تفرغ الاساتذة وادخالهم الملاك؟ لعل خبرته في “الكار” لكونه جاء من رحاب ادارة صرح جامعي كبير، ساهمت الى حد بعيد في تجاوز الكثير من المطبات والفخاخ التي وضعت في طريقه، بالاضافة الى كونه مسيّساً وليس بعيداً عن محاور السياسة وتكتلاتها، كيف لا وقد تم ترشيحه للوزارة من رئيس أحد اكبر التكتلات في مجلس النواب. ومن خلال صداقة بينهما، بدا بو صعب ممن يعطون تكتلاتهم أكثر مما يأخذون منها، وقد “سبق الفضل”، وهذا في المنطق الانتخابي الذي خاض غماره في تجربة ناجحة وسجل نجاحاً لافتاً، في الانتخابات البلدية في ضهور الشوير، سواء في النتائج أو في الانتاج، وهذا ما وضعه تحت مجهر أهل الانتخابات النيابية الذين تلمسوا فيه خطراً ما … وحتى داخل التكتل الذي رشحه للوزارة، واجه حساسيات، بعضها خرج الى العلن بعدما بدأ همساً في كواليس “تكتل التغيير والاصلاح” وسائر الرابية…
عندما أدلى بو صعب بتصريحه الشهير في مجلس النواب وقال إن الامتحانات الرسمية تخص وزارة التربية وحدها، مباشرة بعد كلام لرئيس مجلس النواب في احدى الجلسات، وجاء فيه ان الامتحانات الرسمية “لا يمكن ان تجري بهذا الشكل”، فرح المتربصون من الأقربين والأبعدين، وقالوا إنه “فات بالحيط” أو “بالقزاز”، ليتبين لاحقاً انه اشتغلها بحرفية متناهية، فقد ادلى بتصريحه بعدما همس في اذن بري قائلا: سأجري الامتحانات بغير الشكل الذي لفتني اليه، وكان تصريحه المذكور بعد تصريح آخر للمعاون السياسي لبري الوزير علي حسن خليل تولى فيه “تظهير” الشكل الذي قصده بري، ونجح لاحقاً في اجراء الامتحانات الرسمية بتأجيل 24 ساعة فقط عن الموعد الذي كان قد حدده، واعلن ذلك في مؤتمر صحافي بعيد منتصف الليل في مكتبه في الوزارة، يحيط به صقور الاضراب النقابي وعلى رأسهم الثنائي غريب – محفوض، وكل ذلك بعد مروحة اتصالات واسعة اجراها وشملت التكتلات النيابية والسياسية من دون استثناء، بما فيها تلك التي اعترضت الاسبوع الماضي في مجلس الوزراء على جداول التفرغ لاساتذة الجامعة اللبنانية وتحديداً حزب الكتائب، علماً أنه زار النائب سامي الجميل قبل شهر في بكفيا، وناقش معه ملفي التفرغ والعمداء، بصفته النيابية والحزبية، وبصفته عضواً في لجنة التربية النيابية، ويقول ان الاجتماع كان جيداً وساده التفاهم وقدم خلاله الجميل اسماء لمرشحين للتفرغ واستوضح عن أمور ذات صلة بذاك الملف.
وفي حوزة بو صعب أوراق موقعة من بعض رؤساء الكتل تتعلق بملفي التفرغ وتعيين العمداء، وهو حاضر لمناقشتها مع أي كان، وتكمن قوته في تأكيده انه لا يعرف شخصياً أياً من المرشحين، ولا يكابر في الجزم بعدم حصول ثغرات، “كأن يحصل على سبيل المثال ان نكتشف لاحقاً شهادة مزورة، حينذاك يحاسب المزور قضائياً”. واما التوازنات الطائفية فيكيلها بميزان “الفرمشاني” علماً ان الاسماء المطروحة (ثلاثة لكل كلية لاختيار احدهم عميداً) تحسم لمصلحة أحدهم، والمعيار دائماً هو الشهادة والكفاية، ودائما مراعاة التوازنات.
يقول إن أحدهم سأله في مجلس النواب: “لماذا تخسر الجامعة اللبنانية بينما الجامعات الخاصة تحقق ارباحاً طائلة؟” واضح أن صاحب السؤال لا يعرف شيئاً عن الجامعة الوطنية وانها تتقاضى رسماً رمزياً وهي شبه مجانية! ويصر بو صعب على المضي قدماً في السعي الى انشاء مجلس الجامعة اللبنانية الذي ينوب عنه حالياً الوزير ورئيس الجامعة، ويؤكد أنه سيعمل جاهداً على أن تكون المرة الاخيرة التي يبت مجلس الوزراء ملفات الجامعة، وان “لا حالة شبيهة لنا في العالم”! ويرجو السياسيين ابعاد الشأن التربوي عن الصراعات السياسية، ويطلق نداء استغاثة في هذا الصدد: لا تطحنوا التربية في صراعاتكم!
ورداً على “من يرمون الكلام جزافاً” يكشف عن ارقام سيعلنها في جلسة مجلس الوزراء بعد غد: إن عدد الاساتذة المتفرغين الذين تحتاج اليهم الجامعة وفق المعايير الدولية، هو ان نحو 70 ألف طالب فيها يجب ان يقابلهم وجود 2800 استاذ متفرغ أي بمعدل 25 طالباً لكل استاذ. حالياً عندنا 1222 متفرغاً يتقاعد منهم 113 هذا العام، يبقى 1109، اي اننا سنصبح في حاجة الى 1700، وفي الملف المطروح اليوم للتفرغ 1100، وبعد ذلك يحدثونك عن الارقام ويرمون الكلام جزافاً!”
ويشير اخيراً الى أن المرشحين للتفرغ كلهم من حملة شهادات الدكتوراه باستثناء بعض المرشحين لكلية الفنون التي تتمتع بخصوصية معينة في تعيين فنانين اساتذة من غير حملة الدكتوراه.a