Site icon IMLebanon

بين الحكي والفعل..

 

تتصرّف إيران في هذه الأيام باعتدال لكنها تستمر في الحكي المتطرّف. أو هكذا تبدو صورتها في ضوء التطوّر الحاصل في العراق وغيره.

.. ومثلها يفعل «حزب الله» في بعض نواحي سياساته الداخلية المحلية اللبنانية.

الإطاحة بالمالكي تدلّ على ذلك النمط من السلوك، والتهدئة المعقولة في لبنان تتفرّع من ذلك الجذر. وإذا كان الظاهر أنّ «داعش» غيّر السلوك ودقّ أجراس الهمّ والضنى، فإنّ الأصح كان في المضمون، أي في قصّة المفاوضات النووية التي تعني في أصلها، قبل معرفة نتيجتها، أنّ إيران بدأت تتغيّر منذ اللحظة التي فتحت فيها أخيراً أبواباً بقيت مقفلة على مدى سنوات وسنوات.

لم تتغيّر لغة «المرشد» وإن تغيّرت سياسته وتوجيهاته. ولم تتغيّر لغة قاسم سليماني لكنها لم تعد تُسمع في بغداد. بل احتاج أمر التخلّص من المالكي إلى زائر إيراني آخر هو أمين سر المجلس الأعلى للأمن القومي علي شمخاني لتمرير رسالة التغيير إلى ربعه السياسي والديني في العراق.

يحلو للكثيرين إرجاع ذلك «التغيير في السلوك» إلى تراكم وطأة العقوبات الاقتصادية والمالية وازدياد تأثيراتها إلى حدود خروج شخصية تاريخية على مستوى الشيخ هاشمي رفسنجاني للحديث عن «إفلاس» إيران بالمعنى المباشر للكلمة.. لكن يحلو (ويحق) للكثيرين إيضاً، إرجاع ذلك المُعطى إلى جملة أسباب راكمها السلوك «الثوري» على مدى العقود الثلاثة الماضية وجعلت من إيران دولة مفلسة ومنبوذة إقليمياً ودولياً وبطريقة لا تضاهيها فيها إلاّ كوريا الشمالية! ثم نشوء وتبلور جيل جديد تفتَّح ويتفتَّح على وسائل ووسائط وطرق ومعطيات وثقافات مختلفة عن تلك التي كانت سائدة عند البدايات الأولى للثورة الخمينية ولدى رعيلها الأوّل والمخضرم.

تتغيّر ببطء ولكن بحسم. وعلى طريقة استدارة الفيل تأخذ وقتها، وتقطّر نقلاتها.. وإذا كانت المفاوضات النووية «الحميمة»، وولادة حكومة المصلحة الوطنية في لبنان وما رافقها لجهة إنهاء الحرب الأهلية المصغّرة التي كانت مندلعة في طرابلس.. وصولاً إلى تلقّف موجبات المنطق السوي والطبيعي في العراق والتخلي عن الحصان الخاسر هناك، وغير ذلك من خطوات تراجعية (أو تسووية؟) رُصدت في اليمن وغيره.. إذا لم تكن تلك مؤشرات على الاستدارة، فإنّ الشيخ نعيم قاسم يكون على حق! بحيث إنّ علم الكلام عنده يوصل إلى أنّ العالم كله تغيّر وليس إيران! وأنّ الغرب هو الذي تراخى وتراجع في الملف النووي وليس إيران!.. وأنّ المالكي هو الذي بقي وغيره رحل وأفل! و14 آذار هي التي راهنت وفشلت وعطّلت وليس «حزب الله» وشروطه الشهيرة الخاصة بتأليف الحكومة وتركيبتها العددية وبيانها الوزاري وأسماء وزرائها!

في ضوء علم الكلام هذا، ينتظر البعض ويتمنى أن «تنكسر» 14 آذار في موضوع الانتخابات الرئاسية مثلما «انكسرت» في موضوع الحكومة! وأن يكون المالكي بالنسبة لإيران ووكيلها المحلي أغلى من أحد المرشّحين الرئاسيين عندنا!

.. الحكي مدرار. المهم النتيجة والخلاصة!