Site icon IMLebanon

بين رئاسة لبنان.. وزعامة الموارنة

تخفي معركة الانتخابات الرئاسية في لبنان، في باطنها، أكثر مما تكشف في ظاهرها. لكن وجهها الظاهر يحمل على الاعتقاد بأنه حين تكون الأوطان صغيرة تصغر معها طموحات أقطابها السياسيين.. فكيف إذا كانت صغيرة ومتعددة الطوائف أيضا؟

العنوان السياسي للاستحقاق الدستوري الداهم في لبنان هو: انتخاب رئيس جديد للجمهورية، أي عمليا رئيس لكل اللبنانيين كائنا ما كان ولاؤهم السياسي أو انتماؤهم المذهبي.

لكن انحصار المعركة بين رئيس «القوات اللبنانية»، سمير جعجع، ورئيس «التيار الوطني الحر»، ميشال عون، ردّ الاستحقاق اللبناني الدستوري إلى صراع ضيق على زعامة الطائفة المارونية – وهو صراع «تاريخي» لا يخلو من رغبة دفينة في تصفية حسابات سياسية عالقة منذ نهاية الحرب الأهلية اللبنانية عام 1990.

قد لا يلام قطبا الطائفة المارونية على مقاربتهما الحزبية الضيقة لمعركة الرئاسة اللبنانية بقدر ما يلام نظام المحاصصة المذهبية على تشجيعها. فبعد دورتي انتخاب رئاسي فاشلتين للبرلمان اللبناني، لم يعد خافيا أن الصراع الماروني – الماروني أصبح «كعب أخيل» معركة الرئاسة اللبنانية، ليس فقط لجهة إثباته أن جراح الحرب الأهلية لم تندمل بعد في «الجسم» الماروني، بل لأنه شرع الباب واسعا في وجه القوى السياسية غير المارونية – وغير اللبنانية تحديدا – لتوظيف الصراع الماروني – الماروني في خدمة مآربها المحلية والإقليمية.

هل يعيد التاريخ الماروني نفسه في لبنان.. من حيث لا يدري أقطاب الموارنة؟

في ستينات وسبعينات القرن الماضي، تسببت الظاهرة السياسية المسماة بـ«المارونية السياسية» في خسارة الموارنة لمعظم صلاحيات رئاسة الجمهورية، منصبهم الأول في لبنان (وكادت تفقدهم الموقع لولا تسوية اتفاق الطائف).

واليوم، وبعد أن أفرغوا رئاسة الجمهورية من معظم صلاحياتها، يغامر بعض أقطابهم بمصير المنصب الرئاسي بأكمله ويعرضون موقعه للفراغ عبر إصرارهم على مقاطعة جلسات انتخاب الرئيس اللبناني الجديد.

هاجس الفراغ الرئاسي يزداد واقعية مع اقتراب موعد 25 مايو (أيار)، تاريخ انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان، فيما تزداد حاجة المعركة الرئاسية إلى مبادرة تسووية من طرف سياسي داخلي قادر على كسر حلقتها المارونية المفرغة وإعادتها إلى نطاقها اللبناني الأوسع.

لكن المفارقة اللافتة – والمقلقة – في هذا السياق أنه إذا أتت المبادرة من طرف سياسي غير ماروني اتهم «بالتدخل» في شؤون الطائفة المارونية وبمحاولة «فرض» رئيس عليها (رغم أن المنصب يخص كل اللبنانيين وليس الموارنة فقط).. وإذا تركت المعركة الرئاسية أسيرة صراع القطبين المارونيين المتنافسين على زعامة طائفتهم، ازدادت احتمالات الوقوع في فراغ رئاسي.

لا ينكر أحد على موارنة لبنان حقهم في أن تكون لهم الكلمة الأولى في اختيار الرئيس اللبناني – أسوة بطائفتي الرئاستين الثانية والثالثة. ومع التسليم بأن مارونية الرئاسة اللبنانية ضمانة أساسية للتعددية اللبنانية، فإن تحويل كلمتهم إلى حق حصري في اختيار الرئيس اللبناني يحمل ملامح «مارونية سياسية» جديدة لم يعد يتحملها لبنان ولا الموارنة بالذات.

ربما كان المخرج اللائق من إشكالات انتخاب الرئيس اللبناني، المتكررة في كل دورة، أن يعتمد لبنان نظام اقتراع شعبي مباشر للرئيس فيتخلص من المناورات البرلمانية الممجوجة والصفقات السياسية المرافقة لها ويضفي على الرئيس المنتخب شرعية شعبية تضاف إلى شرعيته الدستورية.

لكن استمرار مراوحة معركة الرئاسة في مكانها من شأنه تعزيز دور الطرف الإقليمي والخارجي في ترجيح اسم المرشح العتيد للرئاسة اللبنانية، وهو دور، وإن كان غير جديد على معارك الرئاسة، لبنان بغنى عنه اليوم في ظل الأوضاع الإقليمية الراهنة وانشغال العواصم العربية بشؤونها الداخلية والخارجية.

.. المؤسف في الصراع الماروني – الماروني المستمر على زعامة الطائفة أنه جعل شعار انتخاب رئيس «صنع في لبنان» أبعد ما يكون عن التحقيق عام 2014.