فيما يبدأ الأميركيون التساؤل حول تقييم مرحلة باراك أوباما، دخلت عليهم الذكرى العاشرة لغياب رونالد ريغان، الرئيس الأربعين. وفيما تراجع أوباما أمام فلاديمير بوتين على كل الجبهات، تذكر الأميركيون الرجل الذي قال إنه سوف ينهي الحرب الباردة، فكان أن أنهاها وعجل بسقوط الخصم السوفياتي.
اقترع الأميركيون مرتين بأكثرية كاسحة لرجل تحول من ممثل درجة ثانية إلى رئيس يقسم تاريخهم بين ما هو قبله وما هو بعده. بهرهم فيه ذلك الإصرار على تجسيد «النموذج الأميركي» الذي يحلمون به. عندما أخفق في بلوغ المرتبة الأولى في السينما، تحول إلى طلبها في الحياة العامة. خاض معركة حاكمية كاليفورنيا واكتسح أصواتها وازدهرت الولاية في عهده، فلما طرح نفسه للرئاسة، لم يكن ذلك مضحكا، بل وجد الأميركيين يعدون خلفه. ولم يخيب آمالهم. حتى ضعفه في حفظ الأسماء حوّله إلى دعابات جذابة. وفي مفاوضات نزع التسلح، قال كبار المفاوضين إن دعمهم الأول جاء من رئيس يدرك تماما مفاصل الضعف والقوة عند أميركا وعند السوفيات. وقد عرف كيف يلعب بتلك الأوراق، مجسما القوة الأميركية وموهما الروس بأنهم سوف يتهاوون اقتصاديا أمامها إن لم يخرجوا من سباق التسلح.
لكن ريغان كان دبلوماسيا أيضا في أمور كثيرة. ومكنه التحالف الذي عقده مع مارغريت ثاتشر من إعادة الهيبة إلى صورة الغرب المتهاوية. ويبدو باراك أوباما اليوم وحيدا من دون شريك غربي رئيس. وقد أدت سياساته في مصر وليبيا وسوريا والعراق إلى آثار قد لا يعرف العالم مدى فداحتها في المستقبل المنظور. لقد تردد مثلا في توفير التدريب العسكري لستة آلاف جندي ليبي يكونون نواة الجيش ويضبطون أمن البلاد. وفي نواح كثيرة، يبدو تقدم «داعش» في سوريا وزحفها المذهل في العراق نتيجة مباشرة لانعدام التحرك الأميركي، الذي شلته الهجومية الروسية في مجلس الأمن وعلى الجبهات نفسها.
مظهر القوة الوحيد الذي حرص عليه كان في مطالبة حسني مبارك المحاصر: ارحل الآن. والآن يعني الآن. وما عدا ذلك، رسم لنفسه خطا أحمر في كل مكان وقبع مكانه. ولم تحقق دبلوماسية «التفهم» أي نجاح حتى الآن في أي مكان. ويبدو أن التاريخ ليس بين همومه أو هواجسه أو طموحاته. لذلك، تكثر في صفحات الرأي الأميركية المقارنات مع رونالد ريغان، الذي وضع الكرملين عند حدوده. ويقول أحدهم إن من الغباء والسطحية الاستمرار في النظر إلى ريغان على أنه ممثل سابق وقد ترك في السياسة كل ذلك النجاح.