تجدد الاشتباكات بين الجيش اللبناني ومسلحين في عرسال.. ومحاولات جديدة لاقتحام البلدة
فقدان عسكري وإنقاذ 4 بعد كمين لدورية في الجرود.. ونزوح كثيف إلى البلدات المجاورة
بيروت: بولا أسطيح
تجددت الاشتباكات يوم أمس الخميس بين الجيش اللبناني ومسلحين في منطقة عرسال الحدودية (شرق البلاد) بعد أقل من شهر على معارك دامية شهدتها البلدة، وأفيد بوجود أكثر من محاولة للمسلحين لاقتحام المنطقة تصدى لها الجيش.
واندلعت المواجهات أمس بعد اعتراض مجموعة مسلحة دورية للجيش في منطقة الرهوة في جرود عرسال، سبقه ليلا هجوم لمسلحين على أحد مواقعه، حيث حاولوا تطويقه والتقدم باتجاه داخل البلدة، لكن الجيش منعهم.
وقال بيان صادر عن الجيش إن آلية له بداخلها خمسة عسكريين في منطقة وادي الرهوة في عرسال تعرضت قبل ظهر يوم أمس لـ«كمين من قبل مسلحين إرهابيين، وعلى أثرها قامت قوى الجيش بشن هجوم على المسلحين وتمكنت من إنقاذ أربعة من العسكريين، وتم تدمير آلية عائدة للإرهابيين مجهزة بمدفع مضاد للطائرات، وإصابة من بداخلها بين قتيل وجريح».
وأشار البيان إلى أنه «قد نتج عن الاشتباكات فقدان أحد العسكريين وإصابة آخر بجروح».
واستخدم عناصر الجيش اللبناني المدفعية وصواريخ من طراز «غراد» خلال الاشتباكات، فيما أفيد بغارات شنّها الطيران الحربي السوري على بعض مواقع المسلحين في المنطقة الجردية.
وقال وزير الداخلية نهاد المشنوق في تصريح للصحافيين بعد خروجه من جلسة لمجلس الوزراء إن جنديا لبنانيا أصيب وفُقد آخر خلال الاشتباكات في عرسال، معلنا «انعقاد جلسة استثنائية لمعالجة الموضوع الأمني خلال ثلاثة أيام».
وبدا لافتا ما نقله وزير التربية إلياس بوصعب عن المشنوق، قائلا: «موضوع عرسال أخطر وأكبر بكثير مما نعرفه، وما سمعناه من وزير الداخلية نهاد المشنوق أن داعش أصبح على الحدود وعددهم بالآلاف».
وكان الجيش اللبناني أطلق النار منتصف ليل الأربعاء – الخميس على «فان» لركاب سوريين أقدموا على الدخول خلسة عبر طرق غير شرعية في بلدة عين عطا قضاء راشيا شرقا، ولم يمتثلوا لأوامر عناصر النقطة العسكرية في المنطقة، فحصل إطلاق نار وأصيب شخصان وقتل ثالث. وأوقف عناصر حاجز آخر للجيش أول من أمس في منطقة الهرمل شرقا سيارة محملة بقذائف «آر بي جي» قادمة من جهة عرسال.
وسيطر الخوف على أهالي عرسال الذين عبّروا عن خشيتهم من عودة المسلحين إلى وسط البلدة، فأقدم عدد منهم على النزوح إلى أقاربهم في بلدات بقاعية متاخمة.
وقال خالد الحجيري، ابن البلدة، لـ«الشرق الأوسط»: «الكل خائف هنا… نسمع أصوات الاشتباكات والقذائف بقوة، خاصة أن مرابض المدفعية موجودة حوالي عرسال».
وأشار مسؤول «اتحاد الجمعيات الإغاثية» في عرسال حسن رايد إلى أن «عددا كبيرا من اللاجئين السوريين في البلدة يتخطى عددهم الـ80 ألفا واصلوا نزوحهم الذي انطلق مطلع الشهر مع اندلاع الأحداث، خاصة أن مفوضية شؤون اللاجئين لم تزر البلدة لتقديم المساعدات منذ ذلك الحين». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «كما أن عددا من أهالي البلدة اللبنانيين، يبلغ عددهم 40 ألفا، بدأوا بحركة نزوح خفيفة، خوفا من تدهور الأوضاع أمنيا».
ووصف رايد وضع النازحين السوريين بـ«السيئ جدا، كونهم لا يتلقون المساعدات اللازمة وخاصة أولئك الذين احترقت خيمهم نتيجة الاشتباكات».
وأشار الخبير العسكري المقرب من «حزب الله»، أمين حطيط، إلى أن «أسباب المعركة التي اندلعت في عرسال مطلع الشهر الحالي لم تنتف، لذلك تتجدد تلقائيا»، لافتا إلى أن «استمرار خطف العسكريين اللبنانيين، كما بقاء الوضع الأمني داخل عرسال على حاله، ووجود عناصر مسلحة في مخيمات اللاجئين، والأهم عدم تراجع الإرهابيين عن مخططهم بإلحاق عرسال بمناطق سيطرتهم لإقامة إمارتهم، كلها أسباب تجعل عودة الاشتباكات أمرا ممكنا في أي لحظة».
ورأى حطيط في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن استهداف الطيران الحربي السوري لتجمعات المسلحين في جرود عرسال «بات يتم بتغطية دولية بعد صدور القرار 2170 تحت الفصل السابع، الذي يصنّف (داعش) إرهابيا ويجيز مواجهته».
وكان المسلحون الذين حاولوا احتلال عرسال مطلع الشهر انسحبوا في السابع من أغسطس (آب) الحالي واختطفوا 18 جنديا و15 عنصرا من قوى الأمن الداخلي. وقد قتل عشرات الأشخاص خلال المعركة الأولى بينهم 18 جنديا لبنانيا.
وظلّ التكتم سيد الموقف بملف العسكريين المختطفين مع انقطاع أخبارهم منذ تعليق «هيئة العلماء المسلمين» وساطتها الأسبوع الماضي. ويبدو أن الحكومة تبذل جهودا مع أطراف إقليمية لحل الأزمة، رغم رفض رئيسها تمام سلام إعطاء أي تفاصيل في هذا المجال.
وكان سلام حذر في وقت سابق من أن «أي كلام أو أي تفاصيل في هذه القضية ممكن أن يعرقل مسارها»، لافتا إلى أن «القضية لن تنتهي لا اليوم ولا غدا».
وأصدر قاضي التحقيق العسكري عماد زين، أمس الخميس، مذكرة وجاهية بتوقيف كل من عماد جمعة وأحمد جمعة، بعدما تسبب اعتقال الأول في اندلاع المعارك في عرسال مطلع الشهر، واتهمهما بـ«الانتماء إلى تنظيمات إرهابيّة مسلحة بهدف القيام بأعمال إرهابيّة، وقتل ومحاولة قتل عسكريين في بلدة عرسال وإحداث أضرار وتخريب في الممتلكات العامة والخاصة، والعمل على إيجاد أماكن أمنيّة لإمارتهم».
وقد برزت مخاوف أخيرا من إمكانية تحرك خلايا نائمة لـ«داعش» في مخيمات النازحين السوريين المنتشرة في الأراضي اللبنانية كافة، أو من خلال مخيمات اللاجئين الفلسطينيين وخاصة مخيم «عين الحلوة» الواقع جنوب البلاد والذي لا توجد فيه، كما باقي المخيمات، عناصر أمنية لبنانية.
واتخذ الجيش اللبناني بالتزامن مع الأحداث التي شهدتها عرسال إجراءات استثنائية في محيط «عين الحلوة» ومنطقة صيدا الجنوبية، كما في مدينة طرابلس شمالا، حيث ثقل الإسلاميين.
وأكّد نائب قائد قوات الأمن الوطني الفلسطيني في لبنان اللواء منير المقدح أن «القوى الفلسطينية اتخذت قرارا منذ اندلاع الأزمة في سوريا بتحييد المخيمات الفلسطينية في لبنان، وباستمرار العنصر الفلسطيني عنصرا إيجابيا في الساحة اللبنانية، وهو قرار أعادت هذه القوى التشديد عليه أخيرا مع الأحداث التي شهدتها عرسال».
وقال المقدح لـ«الشرق الأوسط»: «لن نسمح لأي جهة كانت بأن تزعزع أمن لبنان من بوابة المخيمات الفلسطينية، ولعل تنسيقنا الدائم مع القوى المعنية، وعلى رأسها مؤسسة الجيش اللبناني، تشكل حصانة وضمانة لعدم زج المخيمات في أي خرق أمني».
ونفى المقدح أي وجود لـ«داعش» في «عين الحلوة»، لافتا إلى «حالات فردية متعاطفة» مع التنظيم المذكور. وقال إن هناك «بقايا لتنظيم (جند الشام) موجودون في المخيم، وقد سموا أنفسهم (الشباب المسلم)، لكنّهم تحت السيطرة».