عقب إستقالة كميل شمعون من حكومة رياض الصلح، إحتجاجاً على تعديل الدستور لصالح تجديد ولاية الرئيس بشارة الخوري (27-7-1948)، تعرضت المدن اللبنانية لسلسلة تظاهرات أربكت الوضع السياسي وأجبرت الحكومة على الاستقالة. وساعد على التعجيل في رحيل الحكومة إعلان بن غوريون قيام دولة اسرائيل في 15-5-1948. وبعد إنقضاء فترة وجيزة أعاد رياض الصلح تشكيل حكومة جديدة، حرص أن تكون ممثلة لمختلف الأحزاب والطوائف والمحافظات. وكان الغرض من إختيار أعضائها، على نحو ينسجم مع شعار الوحدة الوطنية، التهيؤ لخوض غمار الحرب الفلسطينية الى جانب الدول العربية.
وبدلاً من أن يعتمد الرئيس بشارة الخوري على قرار الحكومة والبرلمان، وجّه الدعوة الى جميع ممثلي المعارضة للاشتراك في قرار إعتَبَره يخصّ كل مواطن. وبفضل تلك المبادرة، سلِم لبنان من فتنة داخلية بحيث أعيدَت اللحمة الوطنية الى صفوف أبنائه، وابتعدت عن أجوائه السياسية أسباب الانقسام والخصام.
وإعترف الرئيس بشارة الخوري أن المصالحة الوطنية التي قام بها، كانت مستوحاة من تصرف الرئيس الفرنسي ريمون بوانكاريه الذي تعالى عن الخلاف مع معارضه جورج كليمنصو، واختاره رئيساً لحكومة جامعة أثناء الحرب العالمية الأولى. علماً أن كليمنصو كان يكتب في الصحف كل صباح مقالة ينتقد فيها سياسة بوانكاريه. ولما استدعاه رئيس الجمهورية، ناشده بأن يلقي سلاح الكراهية الشخصية ويمتشق سلاح المصالحة الوطنية لأن مصير البلاد على كف عفريت.
وحول هذا الموضوع، يُجمِع المؤرخون على القول إن حكمة بوانكاريه ساهمت في تحقيق إنتصار فرنسا أثناء الحرب العالمية الأولى.
ويرى المراقبون في لبنان أن عملية إنقاذ الوطن الصغير من سكاكين «داعش» ومتفجرات «النصرة» وضغوط المليون ونصف المليون نازح… لا تأتي من طريق الحكومة المرتبكة أو البرلمان المشلول، بل من موقف وطني موحد يلغي سلبيات 14 آذار وعصبيات 8 آذار.
ولبنان المضطرب – كما يراه المحللون – يمثل حصيلة الأخطاء التي إرتكبها مسؤولون سُذج تصوروا أن التوازن الديموغرافي لصالح السنّة، قد يكون بالسماح لتسلل غالبية سورية سنّية تشكل اليوم أضخم الأعباء الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والثقافية.
ولدى محاولة التراجع عن هذا الخطأ التاريخي، تبيَّن للوزير المعني، رشيد درباس، أن الرئيس بشار الأسد يرفض إحتضان النازحين من لبنان وتركيا والأردن، لأنهم يقفون حجر عثرة في طريق مشروع الدولة العلوية.
وبحسب تقارير المفوضية العليا للاجئين، فإن غالبية النازحين السوريين دخلوا الى دول مجاورة حيث يستضيف لبنان 1.14 مليون والأردن 608 آلاف وتركيا 815 ألفاً. وتقدِّر الحكومة اللبنانية أن هناك أكثر من نصف مليون لم يتسجلوا على اللوائح الرسمية، وتغلغلوا داخل مخيمات اللاجئين الفلسطينيين.
والى جانب النازحين، فإن أعمال العنف في سورية فرضت هجرة أكثر من ستة ملايين ونصف المليون نسمة، بينهم أكثر من ثلاثة ملايين طفل.
أما أرقام الأمم المتحدة فتشير الى مقتل أكثر من 192 ألف شخص منذ إندلاع الثورة في درعا (آذار – مارس 2011).
ومن أجل إيجاد حل عملي لهذه المشكلة الطارئة، إقترح السيد حسن نصرالله، في خطابه الأخير، ضرورة التعاطي مع نظام بشار الأسد لعله يسمح باستعادة النازحين في المواقع الآمنة من سورية.
والثابت أن هذا الحل لا يخدم الدولة اللبنانية بقدر ما يخدم دولة الأسد التي تبحث عن مخرج لعزلتها الاقليمية والدولية. والدليل أن وليد المعلم إشترط على واشنطن فتح حوار مع بلاده قبل الشروع في إستخدام طائراتها الحربية ضد «داعش» أو «جبهة النصرة.» وقال بلهجة التحدي: «إن سيادة الدولة السورية ليست موضع مساومة.» علماً أن سيادة الجيش النظامي على الأراضي السورية لا تزيد على ما نسبته عشرين في المئة.
وكان واضحاً أن طرح وليد المعلم يهدف الى تغيير موقف الرئيس باراك اوباما من شرعية الرئيس بشار الأسد. وهو موقف يعارض سياسة ايران التي تخلت عن نوري المالكي في العراق، في حين رفضت التخلي عن بشار الأسد في سورية.
والملفت في هذا الأمر أن طهران أسقطت دور الجنرال قاسم سليماني الذي كان يُعتَبَر المفوّض السامي والحاكم الخفي في العراق وسورية.
ويزعم قادة المعارضة العراقية أن طهران أرادت التخلص من الاثنين معاً – المالكي وسليماني – كونها سكتت طويلاً عن عمليات الاضطهاد والتصفيات الجسدية التي إقترفها أنصار المالكي الشيعة بحق السنّة. وكانت من نتائج فظاعاتها ولادة «داعش» والدولة الاسلامية.
وفي هذا السياق، إستقبل الرئيس الأسد، يوم الأربعاء الماضي، رئيس لجنة تنمية العلاقات الاقتصادية الايرانية – السورية رستم قاسمي. وامتدح الدور الذي قامت به طهران من أجل صمود دمشق وتعزيز مقومات كفاحها ضد الارهابيين والطارئين.
وبخلاف سياسة النأي بالنفس التي تبناها لبنان لتحصين حدوده، فقد تركت معركة عرسال، على الساحة اللبنانية، الكثير من الجراح والمعاناة.
ومع أن قائد الجيش العماد جان قهوجي إعتبرها، في حينه، معركة إستبسال وصمود… إلا أنه شدَّد في الوقت ذاته على إسترداد المفقودين بأي ثمن. ولكن المعتدين أحبطوا توقعاته عندما ذبحوا الرقيب في الجيش اللبناني علي أحمد السيد، كمدخل لتهديد متواصل بغرض إخلاء سبيل موقوفين غير محكومين من الاسلاميين السجناء في سجن رومية.
وكان من الطبيعي أن تزيد هذه العملية من جهود الدول الداعمة للمؤسسة العسكرية اللبنانية. وفي تصورها إن مثل هذا الدعم العملي يحجِّم دور «حزب الله»، ويقلل من هجمات «داعش» و»جبهة النصرة.»
ومن أجل تحقيق هذين الهدفين، سلمت الولايات المتحدة الجيش اللبناني كمية من العتاد والذخائر عبر سفيرها في بيروت ديفيد هيل. والحصيلة الأولى تتألف من 480 صاروخاً محمولاً على الكتف و1500 بندقية من نوع إم-16.
ويرى المراقبون في هذه الدفعة مسرحية مضحكة لأن اسرائيل تمنع اميركا من تسليم الجيش اللبناني سلاحاً نوعياً يمكن أن يهدد أمنها. كذلك يستحيل أن تطغى هذه الكمية الضئيلة على ترسانة «حزب الله» الصاروخية المعدة أصلاً لمحاربة اسرائيل. وبين القطع التي إعترضت اسرائيل على تسليمها الى لبنان، كانت منظومات متطورة للدفاع الجوي. ذلك أن سلاح الجو الاسرائيلي يعمل في الأجواء اللبنانية بحرية نسبية. ومعنى هذا أن وجود منظومات من طراز (17-S.A) سيعطل على سلاح الجو الاسرائيلي معظم مهامه.
التطور الجديد الذي رافق محادثات دول حلف الأطلسي هذا الأسبوع، في قمة ويلز، كان التغيير الذي أحدثه ذبح صحافيَيْن أميركيين على موقف الرئيس باراك اوباما. ذلك أنه أعلن بعد ذبح الصحافي الأول، جيمس فولي، عن إمكان توجيه ضربات عسكرية ضد أهداف تابعة لتنظيم «الدولة الاسلامية» في سورية.
ولكنه ذكر مجموعة خيارات عسكرية، إثر ذبح الصحافي الاميركي الثاني ستيفن سوتلوف. وعلق اوباما على هذين الحدثين بالقول: «إن هدفنا واضح يتعلق بإضعاف «داعش» وتدميره بحيث لا يشكل خطراً على العراق… وعلى المنطقة… وعلى الولايات المتحدة.»
الاقتراح الأول، الذي تقدمت به قيادة حلف الأطلسي، شدد على تشكيل تجمع دولي شبيه بالتجمع الذي أنشىء سنة 2011 لاسقاط نظام معمر القذافي. وهو يقضي بتكثيف الغارات الجوية لإعانة الثوار على إنهاء نظام إستمر أكثر من 40 سنة.
وقد تبيَّن للاميركيين والفرنسيين أن من الصعب إزالة خلافة «داعش» في سورية والعراق بواسطة الغارات الجوية فقط. وعليه تقرر إحياء فكرة التحالف الذي أقيمَ سنة 1990 بهدف تحرير الكويت من الاحتلال العراقي. اوتشكَّل في حينه تحالف دولي وإقليمي شمل 32 دولة، وضم أكثر من 960 ألف مقاتل، نصفهم من الولايات المتحدة.
ومن المتوقع أن يصل الى المنطقة قريباً وزير الخارجية الاميركي جون كيري بقصد التباحث مع الدول المحيطة بالعراق وسورية حول آلية تشكيل التحالف العسكري المطلوب. في حين إقترح الوفد البريطاني ضم كافة دول الجامعة العربية بحيث تتم عملية المواجهة كموقف سياسي موحَّد.
ويرى المراقبون أن تركيا وايران قد يُطلب منهما المساهمة في عملية تحرير المناطق الشمالية من سورية، والغربية من العراق. وفي حال قبلت ايران هذا العرض، فإن مشاركة «حزب الله» في حماية السيادة السورية قد تصبح شرعية ومطلوبة لإسقاط التنظيم المتشدد.
وتتوقع الأمم المتحدة، في حال نجحت الهجمات الجوية – البرية، أن تخف حدة الميليشيات الليبية التي شجعها «داعش» على رفض تسويات السياسيين والاحتكام الى البنادق. كما تتوقع أيضاً إحتواء حركة الحوثيين في اليمن لأن مصلحة ايران تقضي بادخالهم في الدولة التي ينظم شؤونها الرئيس عبد ربه منصور هادي.
بقي أن نذكر أن عملية إقتلاع «داعش» لن تكون بالسهولة التي إقتُلِعَت بها قوات صدام حسين من الكويت، خصوصاً أن رئيس الوزراء العراقي المكلف حيدر العبادي لم ينجح حتى الآن في إقتلاع نفوذ سلفه نوري المالكي!