الموقف الذي اتخذته الجمهورية الإسلامية في إيران بالتخلي عن نوري المالكي في العراق والقبول بحيدر العبادي رئيساً للوزراء حسم الجدل الإقليمي والدولي واللبناني حول أهداف اختيار العبادي بأنها ليست مجرد عملية تجميلية فرضتها ظروف العراق في ظل التمدّد الداعشي الذي يسعى لإقامة خلافته الإسلامية في جزء من العراق بل هي خطوة نوعية من شأنها أن تغيّر الكثير من المعطيات وتشكّل أول مداميك الحل السياسي للمشكلة البنيوية في العراق ولأزمات كثيرة في الإقليم الذي لا يمكن عزل ما يجري فيه عما يجري في العراق، ذلك أن كل الوقائع التي أرخت بثقلها على المشهد العراقي، بدءاً من الخطوة التي اتخذها التحالف الشيعي وحزب الدعوة بتكليف العبادي رئيساً للحكومة العراقية بدلاً من المالكي الذي يتمسك بالسلطة ويصرّ على ولاية ثالثة على رأس الحكومة والتأييد الدولي أولاً لهذا الإجراء وفي مقدمة المؤيدين والداعمين الولايات المتحدة الأميركية التي تفاهمت في السابق مع إيران على تولي المالكي رئاسة الحكومة فضلاً عن الدعم الإيراني غير المتوقع من شأنه أن يصوّب الى حدّ بعيد بوصلة التحليلات والتكهنات السياسية ويرجّح كفة فرضية أن التغيير السياسي النوعي الذي أطاح المالكي بما يمثّل عراقياً وإيرانياً وأميركياً ليس مجرد محاولة كسب وقت من القوى الإقليمية بهدف تحسين شروطها وظروفها، كما يوحي بعض من فاجأتهم هذه الخطوة وأصرّوا على اعتبارها تجميلية مستندين الى أن العبادي من صلب حزب الدعوة الذي يتزعمه المالكي وأن ما أطلقه من مواقف في أعقاب تكليفه تشكيل الحكومة غير كافٍ لبناء هذا الكمّ من الإنطباعات حول حصول انقلاب حقيقي في العراق هدفه استعادة زمام المبادرة وإقامة حكومة وحدة وطنية توفّر الشراكة الكاملة لما يسمونه البعض بالطائفة السنّية التي تعمّد المالكي خلال حكمه إبعادها عن السلطة وتهميشها سياسياً ومعنوياً وخدماتياً الأمر الذي سهّل بعد هذه السنوات التي أمضاها المالكي في حكم العراق وجود حاضنة واسعة لداعش التي احتلت مناطق واسعة في شمال وجنوب العراق تمكّنها من إقامة دولتها في الموصل التي ما فتئت تهدّد بها منذ سيطرتها بدعم من العشائر السنّية على تلك المنطقة.
ولعلّ اختيار العبادي عضو حزب الدعوة الذي يتزعمه المالكي والتفاهم على شخصه من قبل التكتل الشيعي الذي يسمّي عادة رئيس الحكومة الصفعة الأقوى للحزب لأنه أحدث انقساماً وانشقاقاً في داخله بعدما تجاوز المالكي الاعتراض على مخالفة الدستور كما يدّعي بل تحرك في الشارع وهدّد بمنع تسلّم العبادي منصبه بقوة الشارع الذي لا يزال قادراً على تحريكه.
وإذا كانت المواقف الدولية من الولايات المتحدة الأميركية الى فرنسا وإيطاليا وباقي المجموعة الأوروبية والأمين العام للأمم المتحدة عكست رضى عاماً تمثل باتصالات التهنئة التي تلقاها الرئيس العراقي الجديد فؤاد معصوم مؤكدة الدعم الكامل لدوره في المسيرة الدستورية، وتقديم التهنئة للعبادي فإن هذه الخطوة لا يمكن فصلها عن إطار التفاهم الإقليمي المتجدد وتقاطع المصالح بين عدد من الدول لا سيما المملكة العربية السعودية التي عارضت في الأساس وصول المالكي الى رئاسة الحكومة في العراق والجمهورية الإسلامية الإيرانية بما يؤشر الى دخول المنطقة ومنها لبنان بطبيعة الحال في مرحلة تفاوضية أو على الأقل تحضير الأرضية الصالحة لها، وقد يكون لعودة الرئيس سعد الحريري بدعم سعودي للدولة اللبنانية مؤشراً الى هذه التحولات.