لطالما يحركك الفضول بشدة لمعرفة سر هذه اللعنة او المتلازمة الاشبه بمتلازمة استوكهولم اللبنانية الشغوفة باستحضار حقبات الفراغ الرئاسي كعنوان فاقع فضائحي لانهيار الطبقات السياسية المتعاقبة. الآن تمثّل أحدث نسخ الانزلاق الى الفراغ بما يفوق كل الخسائر المسيحيّة الغابرة فداحة حتى لو صح الرهان شبه المستحيل على ربع الساعة الأخير لان الحلول المفترض السحري لذلك الشيء الذي يلهج به بعضهم لن يغسل حتى مع حلوله معالم سقوط الطبقة السياسية عموماً والمسيحية منها خصوصاً.
مع اقتراب نهاية المهلة الدستورية لا نخال ان عجزاً تحكم بالقوى السياسية طوال شهرين وقبلهما سحابة سنة من عمر ازمة حكومية على وقع تمديد غير مبرر اطلاقاً لمجلس النواب سيكون قابلاً في اللحظة القاتلة الاخيرة للترميم.
تضرب معالم الانهاك بكل قوة سائر القوى السياسية معممة فوضى غير مسبوقة في التقديرات الملتهبة عشية حسم الاستحقاق الذي تحول الى ضحية صارخة للصراع والعجز والانهاك. ليس ادل على ذلك من استعادة شبه حرفية لنصائح السفراء كأنهم بيلاطوس قبيل غسل يديه من صلب المسيح. ولكن ما لنا وللسفراء ما دامت آذان اللبنانيين صمّت لفرط ما سمعوا أناشيد الرفض للتدخلات الخارجية واعلاء ذلك الشعار الكاذب عن صناعة الرئيس صناعة لبنانية صرفة. ولعلها الفضيحة الاشد قسوة وصدما ان ينكفئ السفراء عن اقحام انوفهم في التسميات والترشيحات، على افتراض أنهم فعلوا ذلك تماماً، فإذا بالقوى اللبنانية قاطبة تسقط في شر شعاراتها وتودي بالاستحقاق الى فراغ.
اقتحم الاستحقاق الرئاسي وسطا سياسيا افرغته التجارب من أدنى قدرة ذاتية باقية على مواجهة مقلب اقليمي ودولي متقلب بقوة هائلة ينذر بتحولات كبيرة وتحتاج الى تجديد الطبقة السياسية اللبنانية تجديداً جذرياً تاريخياً. لا قوى ١٤ آذار ولا قوى ٨ آذار ولا الوسطيون ومن يدور في فلكهم سينجون من تداعيات الانهيار الذي سيحل بعد ٢٥ أيار أياً تكن طبيعة الفجر الذي سيطلع على قصر بعبدا في تلك الصبيحة. واذا صح ان ورقة التمديد لم تحرق تماماً بعد، فان ذلك بدوره سيكون دليل الموت السريري للطبقة السياسية واليأس الاستسلامي الداخلي والخارجي.
لن ينتحب العالم الخارجي على موقع رئاسي شاغر أكثر مما فعل في حقبات كان فيها لبنان ساحة صراع بين القوى الدولية بما يجتذب اهتمامها عند كل استحقاق مفصلي فإذا به يعاني الآن إدبار عشاقه الدوليين عنه. ولن نؤخذ بمعزوفات الأسف والأسى الديبلوماسية التي ستهطل علينا غداً متى حل الفراغ ونحن أهل التجارب الذين عشنا مواسم الصفقات والصراعات الاقليمية والخارجية حتى الثمالة. لن نقول غداً سوى “تخبزوا بالافراح” ما دام عجيننا بلا ملح وبلا خميرة. فكذّبوا بؤسنا أيها البواسل!