Site icon IMLebanon

تداعيات ودعوة… لمناسبة استشهاد سمير قصير

لم ندخل الحداد بعد، لأن الغياب ما زال حضوراً. نحاول ولا نجد له مدخلاً، فننفي حالة الحزن، نرفض طقوس الحداد ولا نشفى. لا نعلن شيئاً ولا نتفجع، لنكتشف أن مباضع الألم تزداد عمقاً وحضوراً. لم نعلن الحداد. إذاً لا ذكرى أولى ولا ثالثة ولا تاسعة. الأمر ليس خياراً إنه حالة. إذاً لا ذكرى، فالألم المستدام لا يترك موقعاً للذكرى.

… سألته هل الموت مؤلم؟ أم هي الوحدة؟ تكلم، تكلم وتكلم كالأفلام الصامتة طبعاً من دون موسيقى.

أشرت إليه أنني لا أسمع. ابتسم، وخطّ بإصبعه في الهواء: الأموات لا يتكلمون، إنهم يكتبون عبر الأحياء.

ذات يوم عام 1998 كنت أجلس وإياه وشخص ثالث، تحاورنا طويلاً، ناقشنا عدة مواضيع تقريباً على مدى ساعتين. فجأة قال لي ليس بيننا خلاف ولا اختلاف، المسألة مسألة موقع، أنت في الشارع وأنا على الرصيف. لندع الأمر الآن كما هو. قلت جيد وافترقنا. افترقنا ليس لوقت طويل، حتى أوائل سنة ألفين. صدفة التقينا، قال لي أعتقد أنني جاهز لتغيير موقعي وبعدها لم نفترق.

ولكنني ما زلت أتحرق، وفي أكثر من مناسبة، لجدال كلامي، رغم أنه كان مُقلاًّ في الكلام، وعلى الأرجح كنت أنا مُكثراً منه.

كم أفتقدتك يوم 2 حزيران 2005، يوم دعوت للصعود إلى بعبدا وسميتها من بيت القتيل إلى بيت القاتل. كنت يومها في حاجة إلى عضد معنوي. وانتهت المسألة بزرع زيتونة. ومنذ ذاك التاريخ كثر الشهداء وكثرت شجرات الزيتون.

واليوم بمناسبة استشهادك وليس في الذكرى، أدعو الشعب اللبناني أن يعيد الكرّة بالذهاب من فيّة كل شجر الزيتون إلى المجلس النيابي ليقول له إرحل، إرحل لأنك تخاذلت في حماية الجمهورية، تخاذلت ولم تجرؤ على الوقوف أمام المواطن اللبناني فجدّدت لنفسك. تخاذلت يوم تحولت من مجلس نواب إلى «لوياجيرغا». لقد خنت إرادة الشعب، وعلى الشعب أن يسترد أمانته، ويدخل إلى المجلس ويضعكم خارجاً حيث صرير الأسنان.

يخوّفونكم من الأمن، وأنتم تعلمون أنه لا مجال لا لحروب ولا لمواجهات. كل مكونات الشعب اللبناني، باستثناء «حزب الله»، لا تريد الحرب ولا العنف. لن يجد حزب الله شريكاً له في رقصة تانغو الحرب في الداخل، فليتابع حربه الزانية ضد الشعب السوري.

يقول مهووس الانتصارات الوهمية السيد حسن نصرالله إنه انتصر على التمديد!

أولاً، لا فخامة الرئيس ميشال سليمان رغب في ذلك. ولا أحد أعلن عن رغبته في ذلك. وحسن نصر الله مصر على الانتصار على طواحين الهواء، ولكن الحقيقة المرة هي أنه ربح لأن الوطن خسر ككل المرات السابقات.

واليوم على الشعب اللبناني أن يُسقط من سمحوا لنصر الله أن ينتصر على الوطن.

فقط عودة متدرجة تحت عنوان «ردّوا الأمانة» ودعوة الحكومة لانتخابات مبكرة. فقط مثل هذا السلوك يرد لنا الكرامة. لا تتكلوا على الحكومة، اضطرار المجلس لإعلان فشله وتطاوله على حقوق اللبنانيين واجبنا، ما يمكّن الحكومة من الدعوة لانتخابات مبكرة. عودوا إلى الشارع تعود الروح إلى الوطن. عودوا بصفتكم أصحاب الحق وقولوا لهم جعلتم من بيت الشعب مكاناً للصفقات والسمسرات والمافيات. عودوا إلى الشارع لنتمكن جميعاً من فك الحداد.

ومن يحاول الاستهجان لإحراجكم: تريدون ذلك قبل انتخاب رئيس للجمهورية؟ «بؤوسة».

فقولوا نعم وتماماً قبل انتخاب رئيس أيها المراؤون، قبل انتخاب رئيس وقبل دوحة جديدة، وقبل مؤتمرات ومؤامرات تأسيسية.

إياكم أن تُعطوا أذناً لمن يهوّل بوضع المنطقة. وضع المنطقة يصبح خطيراً عليكم وعلى الوطن إن جاء السارق وأنتم نيام. وأعدّوا لهم قبضات في الهواء ورايات لعلم واحد. أعدوا لهم حناجر تستعيد الحق بالحرية والكرامة في ظلال دولة مستقلة حرة.

لقد هدروا جبالاً من المنجزات. لقد دنّسوا أنهراً من الدماء. هؤلاء يجب أن يُطرحوا خارجاً. وليرتفع صوت واحد: نحن هنا بإرادة الشعب، ولن نخرج قبل استعادة المنجزات واستكمالها.

«عودوا إلى الشارع أيها الرفاق».

لم يعد جائزاً أن تصلوا إلى بيوتكم كل مساء وتستمعوا إلى نشرات الأخبار بأفواهٍ فاغرة وعيون جاحظة. قفوا، واذهبوا إلى الساحات لتصنعوا أنتم الأخبار. ودعوهم هم يتفرجون بعيون خائفة وأيدٍ راجفة من هول ما ارتكبته أيديهم.

عار عليكم أن تمرروا صفعات أحذيتهم على رقابكم يوم استحضروا سفّاحهم ليُنتخَب في حرم منطقة بعبدا. عار عليكم وعلى حكومتكم أن يحصل ما حصل. ولا تفشّوا خلقكم بحفاة هذا العصر حفاة سورية. ووجهوا كلامكم «للحلفاء» قائلين سئمنا من سياسات الأمر الواقع. سئمنا من «الشراكات» المهينة. سئمنا من محاولاتكم لتصوير الأمر الواقع كأنه واقعية سياسية، لا علاقة للواقعية السياسية في كل سياساتكم.

والله لو تصرفنا كما تتصرفون جميعاً بعد اغتيال دولة الرئيس رفيق الحريري لكانوا دفنوه في اليوم الثاني. كفى. لا نريد حروباً. لا نريد عنفاً. نريد تحديد الشراكة مع الشعب، لا أن نعامله من موقع سلطات مزيفة أوصلكم هو إليها، فرميتموه خارجاً كي لا يرى الغزل المحرّم.

بيت القصيد، هذا المجلس خطط للفراغ من دون الدخول بالروايات البوليسية. وهذا المجلس عليه أن يرحل تحت وقع خبط أقدام الشعب اللبناني.

وللرأي العام اللبناني أعلن أن ما أكتبه الآن ناقشته منذ أسابيع على طاولة قيادة 14 آذار. فتولدت عندي قناعة بضرورة مكاشفة ومصارحة هذا الرأي العام، لإيجاد السبل القادرة على رفع كابوس الأمر الواقع عن صدر الشعب اللبناني ومؤسساته الدستورية. وإن تحققت هذه الفكرة، فإن المافيا الهاربة من هيكل يُفترض أن يمثل الناس، لن تعود قادرة على العبث بمستقبل الشعب والوطن.

* نائب لبناني سابق