Site icon IMLebanon

تدمير غزة والحرب المقبلة على لبنان

حرب غزة هي نموذج صارخ للحروب غير المتكافئة بين جيش نظامي مزود احدث العتاد العسكري والتكنولوجيا المتطورة وتنظيم اقرب الى ميليشيا يقاتل بوسائل مرتجلة ومحلية الصنع لا تقارن بما لدى الخصم. ولكن على رغم ذلك استطاعت حركة “حماس” في مواجهتها الاخيرة مع الجيش الإسرائيلي ان تصمد طوال 29 يوماً، وظلت تطلق صواريخها المحدودة الفاعلية حتى اللحظات الاخيرة التي سبقت وقف النار، ونجحت في مفاجأة هذا الجيش بمعركة الانفاق.

ليس في وسع إسرائيلي واحد ان يدعي ان جيشه انتصر في هذه المعركة او استطاع حسم الوضع تماما لمصلحة إسرائيل، بل كل ما يستطيع المسؤولون الإسرائيليون قوله اليوم ان الحرب حققت اهدافها ووجهت ضربة قاسية الى القدرة العسكرية لـ”حماس”.

لكن من ينظر الى حصيلة القتلى الفلسطينيين اكثر من 1800 قتيل وآلاف الجرحى، ومن يرى مشاهد الدمار الهائل الذي خلفته آلة الحرب الإسرائيلية وصور الغزاويين الهائمين على وجوههم بين الركام، لا يستطيع ان يكتم صرخة ألم. فالجيش الإسرائيلي لم ينجح في اخضاع “حماس”، لكنه نجح في تحطيم نسيج الحياة الهش في القطاع وحول ربع مليون من اهالي غزة نصفهم كانوا قبل الحرب عاطلين عن العمل، لاجئين في قلب هذا القطاع الضيق الذي هو أقرب الى السجن تتحكم بمعابره مصر وإسرائيل.

إن أكبر درس من حرب غزة هو ان المدنيين هم الذين يدفعون ثمن الحرب من أرواح اطفالهم ونسائهم ومن ممتلكاتهم وليس المقاتلون. وان هذا العقاب الجماعي الذي هو أقرب الى جريمة حرب تعتبره إسرائيل حقاً مشروعاً لها في الدفاع عن النفس. ففي رأيها انه من اجل المحافظة على امن الإسرائيليين مسموح لها بقتل المدنيين الفلسطينيين الذين يختبئ بينهم مقاتلو “حماس”.

هذه هي الرسالة التي ارادت إسرائيل ان تبعث بها الى “حزب الله”. فالمواجهة الاخيرة مع “حماس” اعتبرتها إسرائيل بمثابة تمرين على الحرب المقبلة في لبنان، على رغم اعتراف الإسرائيليين بان “حزب الله” أشد قوة وشراسة بكثير من “حماس”، ويمتلك منظومة صاروخية أكثر تطوراً بكثير وتغطي معظم انحاء إسرائيل، وان منظومة “القبة الحديد” الاعتراضية لا تستطيع بعددها الحالي ان تحمي المدن الإسرائيلية من صواريخ الحزب في تلك الحرب.

لا تخجل إسرائيل من استغلال الدمار الكبير الذي ألحقته بالمدنيين في غزة لتؤكد بألسنة مسؤوليها العسكريين انها لن تتوانى عن التسبب بدمار أكبر بكثير للمدنيين في لبنان اذا تجرأ “حزب الله” وهاجمها. وهي تتصرف كمجرمة حرب لا تكتفي بقتل المدنيين العزل من الفلسطينيين بل تريد أن تجعل موتهم أمثولة لأقرانهم اللبنانيين.