بعد المحادثات بين محمود عباس وخالد مشعل التي جرت في الدوحة، قالت مصادر “حماس” انها أبدت مرونة حيال المبادرة المصرية، التي كانت قد رفضتها، لهذا أوفد عباس مدير مخابراته ماجد فرج وعضو اللجنة المركزية لحركة “فتح” عزّام الاحمد الى القاهرة في محاولة لوضع مسودة جديدة او صيغة معدّلة للمبادرة المصرية.
امس أعلن الأحمد ان هناك قوى اقليمية وعربية تضغط على “حماس” لمنعها من قبول صيغة تفضي الى وقف النار وتنهي فصول المجزرة الاسرائيلية المتوحشة، التي قتلت مئات الفلسطينيين وجرحت الآلاف ودمرت غزة.
لا يحتاج المرء الى العناء ليعرف ان القوى الاقليمية التي يشير اليها عزّام هي تركيا وقطر، والدليل ان “ابو مازن” ذهب الى الدوحة للقاء مشعل، مباشرة بعد زيارته الى انقرة، بعدما كان قد أجرى محادثات مع عبد الفتاح السيسي، والدليل ايضاً ان بان كي – مون وجون كيري اللذين يسعيان الى وقف النار، طلبا صراحة من تركيا وقطر إقناع “حماس” بهذا الأمر، لكنها رفضت واضعة لائحة من الشروط المعقدة.
ولا يحتاج المراقب الى العناء ليدرك ان الاتهامات التي سيقت بداية ضد عباس والسيسي وقالت انهما يتآمران على “حماس”، انما جاءت من مصادر إعلامية مقربة من الدوحة وأنقرة الغاضبتين من سقوط الاسلام السياسي في مصر، وتعتبران ان “حماس” المتحالفة مع “الاخوان المسلمين” هي خنجر جيد في خاصرة السيسي الذي وضع محمد مرسي في السجن، ولهذا ليس مقبولاً عندهما ان تستعيد مصر عبر السيسي دورها الاقليمي المحوري ولا من المقبول ان تقدّم مبادرة لمصلحة غزة!
وهكذا تدخل المجزرة الاسرائيلية يومها السابع عشر وتفشل المساعي المبذولة لوقف النار، وهو ما يجعل الوضع في حدود محرقة يقيمها نازيو العصر في حقبة من غياب الوعي العربي المستقطع والصمت الدولي المستفظع.
لكن وحشية العدوان ترسم الآن معادلة اللاعودة، بمعنى ان “حماس” التي لا تملك شيئاً لتخسره بعد كل هذه الخسائر، لن تقبل بوقف للنار يعيدها الى شرنقة الحصار الخانق، وبمعنى ان اسرائيل التي تكبدت خسائر غير متوقعة وبعد تعرّضها للقصف الصاروخي الغزير الذي لم تتمكن من وقفه وجعلها تبدو غير آمنة بعدما أوقفت ٦٠ شركة طيران دولية رحلاتها اليها، لن تقبل بشروط “حماس” لوقف النار.
أمام هذا يبحث كل طرف عن انتصارات ولو شكلية ليخرج في مظهر المنتصر. “حماس” التي صمدت وأربكت الفضاء الاسرائيلي تريد ثمناً سياسياً يساعدها في القول ان خسائرها فادحة لكن الانتصار محقق، اما اسرائيل التي قبلت بوقف النار وهي تواصل إحراق غزة فتريد ان تترك دماراً زلزالياً في جسد غزة يساعدها على القول إنها لقنت “حماس” درساً مختلفاً هذه المرة!