لم تنفع احداث عرسال الامنية، ولا تفاقم الازمة التربوية وما قد تصل اليه، في احداث خرق في جدار الاستحقاق الرئاسي الرابض عند ابواب النصاب المفقود قصدا بحسب مصادر نيابية، حيث تسقط الجلسات الانتخابية الواحدة تلو الاخرى، تحت حجة نفس الذريعة. «فالانتخابية العاشرة» التي قدر لها ان تكون في ظل عودة الرئيس سعد الحريري الى بيروت، اسقطت تمنيات المتابعين، الذين املوا بتحولها في الحد الادنى الى جلسة حوارية غير رسمية ،علها تساهم في كسر الاصطفاف الموجود، فلا «الشيخ» حضر ولا «الاستاذ» نزل لترسو المشاركة على اقل من ستين نائبا من فريق 14 اذار و«اللقاء الديموقراطي» و«كتلة التنمية والتحرير».
وحده اقتراح قانون تمديد ولاية المجلس النيابي تقول المصادر سلك طريقه الى الامانة العامة لمجلس النواب من دون ضوضاء وصخب، متخطيا التحفظات الرئاسية النيابية، بعدما قدمه النائب نقولا فتوش بصفة المعجل المكرر، طالبا التمديد لمدة سنتين وسبعة اشهر وهي المدة المتبقية لاكمال ولاية المجلس، اي اربع سنوات بعد التمديد الاول، معللا اقتراحه بالظروف الامنية والسياسية التي تولد شرعية استثنائية وتعطي المجلس شرعية التمديد لنفسه في حال الخطر الداهم، فاتحا بذلك الباب الذي اوصده الرئيس بري دون ان يغلقه، مقدما «طوق النجاة» للافرقاء السياسيين في حال فشل جلسة الثاني من ايلول في انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
ورغم ان ظروف الانتخاب لم تنضج بعد، تقول مصادر في 14 آذار بانتظار توافر العامل الاقليمي بانتهاء السعودية من ترتيب الاوراق التي عادت الى جيبها في مواجهة المحور الايراني- السوري، انشغلت الكواليس السياسية بما نقلته شخصية سياسية قامت بجولة بعيدا عن الاضواء في عاصمة دولية فاعلة، حيث اكدت في مجلس خاص وبحسب المصادر في 14 آذار من ان الشغور الرئاسي دخل مرحلة جديدة حاسمة، قد تحمل معها تسوية مفاجئة، عراباها الاساسيان باريس والرياض، مقابل تراجع الدور الايراني على الساحة اللبنانية، معربة عن اعتقادها بان التحرّك الذي يقوم به الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط بالنسبة الى الإستحقاق الرئاسي قد يصبح دون جدوى مع عودة الرئيس الحريري، جازمة بان القرعة رست على احد الاسماء التي باتت معروفة لدى المعنيين مباشرة بالملف في الخارج وبعض من هم في الداخل، مؤكدة ان معركة عرسال سرعت في حسم الاسم، حيث اعرب عدد من الدبلوماسيين في تقارير رفعوها الى عواصمهم عن ان تصوير ما حدث في عرسال على انه من انجازات شخص او شخصين امر غير دقيق، لان ما تحقق كان ثمرة جهد جماعي، وتختم الشخصية وعلى ذمة المصادر في 14 آذار بان التسوية المرتقبة لن تتضمن جوائز ترضية لاي طرف سياسي او اي حزب.
في موازاة ذلك تعتبر اوساط بارزة في قوى الثامن من آذار ان الحريري لم يعد الى لبنان الا بعدما ادركت المملكة العربية السعودية ان ما من طرف يستطيع ان يفرض على الطرف الآخر مرشحا رئاسيا معينا، سواء كان من الصقور او الحمائم، لان الاحداث برهنت انه لا خروج من الازمة من دون هذا التوافق او التفاهم حول الانتخابات الرئاسية وحول الشخصية التي تملك المواصفات الجامعة والقادرة على العبور بين مختلف الفرقاء في لبنان وبين المحيط المؤثر بلبنان، فضلا عن ان محاولة النصرة وداعش تفجير الوضع اللبناني مع ما يشكله ذلك من تهديد للامن القومي السعودي ، دفع بالرياض الى تليين موقفها وفتح المجال لمشاورات رئاسية تستعد قريطم لاطلاقها خلال ايام، بعدما مهد الطريق لها رئيس جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط، الذي ارسل اشارات ايجابية عن رغبة «الفريق السعودي» في لملمة الامور والتوجه نحو مرشح توافقي للرئاسة، الامر الذي يمكن من خلاله سحب فتائل التفجير ودفع العملية السياسية الى الامام.
غير ان الطرف الآذاري الآخر يجزم بان عودة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري لم تتم في اطار تفاهم اقليمي كما يحلو للبعض ان يشيع، ولا هي وليدة تسوية مبرمجة تم الاتفاق عليها مسبقا، لكنها تنطوي بالتأكيد على مناخ اقليمي جديد، من غير المستبعد ترجمة مفاعيله على المستوى الداخلي، وان على طريقة الخطوة ـ خطوة، معربة عن اعتقادها بان حجر الزاوية في المناخ الاقليمي الجديد يتمثل في الواقع المستجد في العراق، خصوصاً مع حصول تقاطع مصالح، سعودي ـ اميركي، تم التعبير عنه في رغبة واشنطن والرياض بإزاحة رئيس الوزراء العراقي الحالي نوري المالكي، توطئة لقيام حكومة وحدة وطنية تعيد لملمة الواقع العراقي، اضافة الى ما تشكله «داعش» من خطر مشترك، ورات ان الالتقاء غير المباشر بين الاهداف السعودية ـ الايرانية في العراق، في حال تم ، سيشكل مناخاً جديداً يؤسس لمقاربات مختلفة قد يكون لبنان احدى ساحات اختبارها، والتي ينتظر ان تتظهر بشائرها بحدود الثاني من ايلول موعد الجلسة المقبلة.