نجحت قوى التعطيل المحلية، مرة ثامنة، في تفشيل عملية انتخاب رئيس للجمهورية رغم مخاطر الاستقطاب المذهبي المستشري في العراق وسوريا، والذي هددت انعكاساته لبنان، وقد تهدد دولاً إقليمية أخرى. وتتقاطع المؤشرات لتبيّن ان استمرار الفراغ في سدّة الرئاسة الاولى تفرضه ادوات لبنانية فيما القرار الفعلي بيد ايران، التي تخوض مفاوضات شاقة مع الغرب بشأن ملفها النووي ومن المفروض أن تنجزها بعد أقل من ثلاثة أسابيع.
ويتوافق أكثر من مصدر سياسي متابع على ان إيران تراهن على اهتمام الولايات المتحدة، أسوة بالغرب، بالحفاظ على استقرار لبنان وبالحرص على ملء الشغور في الرئاسة الأولى. وترى طهران في هذا الاستحقاق ورقة يمكن أن تستخدمها لتحسين ظروف التفاوض. فقد يطلب منها الأميركيون هذه الخدمة مما يسمح لها بالمقايضة كما يتوقع أحدهم. لكن هذا المصدر يلفت الى أن الولايات المتحدة لم تنزلق الى هذه الصفقة مذكراً بزيارة وزير خارجيتها جون كيري الأخيرة للبنان والتي شدّد خلالها على أن «الحكومة والبرلمان أحزمة أمان تكفي للاستقرار«، مما أبخس ورقة الرئاسة سعرها الإقليمي أو الدولي. يضاف هذا الى ما تراكمه ايران من فشل في خسارة اتباعها سيطرتهم المطلقة على نحو ثلث مساحة العراق وقبلها شيء مماثل لحق بها في سوريا.
لكن الموالي بالمطلق للجمهورية الإسلامية الإيرانية، أي «حزب الله»، يحاول جاهداً أن لا يتورط علناً في لعبة التعطيل هذه مستفيداً من الستارة التي تؤمنها مواقف حليفه رئيس تكتل «التغيير والاصلاح« النائب ميشال عون الذي لم يتورع عن طرح مبادرة للحل تطيح باتفاق الطائف وتحوّل البلد من نظام برلماني الى نظام رئاسي، علّه بذلك يعوض عن تناقص شعبيته المسيحية بسبب إمعانه في عدم تأمين النصاب الضروري للانتخاب الرئاسي الذي ترى فيه الطائفة المسيحية مكسباً أساسياً لها.
ومن الواضح أمام الرأي العام بمجمله أن «قوى 14 آذار» جميعها درجت منذ الجلسة الأولى، ولا تزال، على تسهيل عملية الانتخاب. فهي تواظب على النزول الى البرلمان وقد تقدمت بمرشح يحمل برنامجاً واضحاً. وهذا ما يضعها في موقع الرابح حالياً مع ضرورة تطوير موقفها حتى لا يتآكل رصيدها. فعدم إنجاز الاستحقاق الرئاسي يساوي بنظر المواطن العادي إقراراً بعجز كل الطبقة السياسية و«قوى 14 آذار« من بينها، كما أن مشاركة صقورها في حكومة همها الرئيس «محاربة الارهاب« لا يساعدهم في بيئاتهم. هذا لا يعني القول بالتخلي عن الحكومة إنما عدم التوقف عن ترداد الثوابت والتشبث بها مثل ضرورة وضع كل سلاح تحت مظلة الشرعية إلى ضرورة حماية الحدود مع سوريا بنشر الجيش وحتى تعاونه مع القوى الدولية وفق ما يسمح به منطوق القرار 1701.
ويشدّد مصدر من «الجماعة الإسلامية« على أن تنظيم «داعش« لا يتمتع ببيئة محلية حاضنة رغم ارتفاع منسوب الاستقطاب المذهبي، وهو في ذلك على نقيض «حزب الله« الذي يتمتع فعليّاً ببيئة حاضنة. ومن أدلته أن «الانتحاريين»، سواء الذين نفذوا مؤخراً عمليات أو الذين تم اكتشافهم، ليسوا لبنانيين ولم يجدوا غير الفنادق ليقيموا فيها.
ويلفت سياسي آخر الى الجهود التي تبذلها إيران وحلفاؤها لإظهار الصراع على أنه بين السنّة والشيعة وهذا في نظره «تزييف مقصود». فحقيقة الصراع هي بين مشروع إيراني وآخر عربي لا يريد استحضار تجربة أفغانستان وحكم «طالبان» تحت مسمى «داعش» باعتباره تنظيماً مخابراتياً أكثر منه إسلامياً. وقد تجلّى ذلك في مواقف العشائر السنية العراقية وبقايا البعثيين وكذلك في رفض الأزهر المعلن وتصنيف دول خليجية أبرزها السعودية لهذا التنظيم على أنه إرهابي.